[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذا الرابط] بالنسبة لها بدا الأمر كلغز مستعص على التفسير. لكنها حين شاهدت وجهه العجوز وقامته المنحنية أدركت أن «استبدالا»
حدث رغم أنها لم تترك يديه لحظة واحدة. أحست بالارتباك للحظة، لكنها حين دققت فى ملامحه وعرفت أنه هو لم تتمالك نفسها من الذعر والصراخ.
إسكندرية. بيته القديم الذى طال غيابه عنه. منذ أن هاجر منذ أربعين سنة وهو يعلم أنه سيعود. بمجرد وصول القطار إلى المحطة
قرر أن يتنزه على قدميه. يعرف الطريق جيدا. ورغم عمره السبعينى وقامته المنحنية فإنه مازال يحتفظ بنشاطه القديم.
فى اللحظة نفسها كانت تسير فى شرود، لا توجد وجهة معينة، لكنها شعرت بحاجتها لأن تستنشق هواء البحر الملىء بالفتن، وترنو إلى البحر مباشرة، وتطيل التحديق.
شعرت بنشاط مفاجئ يدفعها إلى المشى. طال بها التجوال فحطت رحالها فى كافيتريا مطلة على البحر مباشرة وشرعت ترشف رحيق القهوة فى استمتاع.
مضى يتفقد البنايات القديمة فى حنين. تشهد على أيامه التى مضت. حينما كان دافئ القلب مفعما بالشجون.
أثناء تجواله شاهد كافيتريا على الطراز القديم. جلس على أحد المقاعد مواجها البحر، وطلب القهوة وشرع يرشفها فى هدوء.
طريقتها فى رشف القهوة كانت أول ما لفت نظره. تشربها برقة وتمهل واستمتاع. كأنها تقبل القهوة ولا تشربها.
رمقها بنظرة فاحصة فأحس بشىء يهتز فى قلبه، شعور لم يجربه منذ ثلاثين عاما على الأقل. غادة فى الخامسة والعشرين.
حسناء، جذابة الملامح، غاية فى الملاحة والروعة. وتنهد فى حسرة. آه أيها الشباب المغادر ليتك تعود!
والذى لا يوجد تفسير له أنه أحس فجأة بشخص ينفصل عنه، شخص يرتدى نفس ثيابه وله نفس ملامحه،
لكنه يصغره بأربعين عاما على الأقل. والأهم أنه يمتلك الجسارة ليقترب منها ويجلس أمامها فى هدوء.
أسرع خلفه مأخوذا، ومحاولا اللحاق به، لكنه كان يسبقه بخطوة. سمعه
يقول لها: «أقصر طريق بين نقطتين هو الخط المستقيم. لذلك أقول إنك أعجبتنى وأود التعرف بك».
هى نفسها لم تفهم لماذا ترددت ابتسامتها بين التحفظ والميل. لكنها وجدت نفسها تشعر بارتياح غامر تجاهه، وقالت لنفسها: «لماذا لا أعطيه فرصة؟».
ظل مأخوذا يستمع إليه وهو يحدثها. كلمها عن نفسه، وعن أحلامه. وقالت لنفسها إنها تشاركه نفس الأحلام.
لا أحد يدرى كيف استولى على قلبها فى تلك المدة القصيرة. وكيف منحته كفها الصغير فى ثقة، وسارا معا فى الطريق.
راح يتبعهما مأخوذا وهو يسير وراءه بالضبط، وفجأة وجد الآخر يبطئ، يتوقف ثم يتراجع،
ثم يلتحم به، وكفه الرجولية العريضة المليئة بالقوة، عادت عجوزاً تملؤها التجاعيد.
ورغم أنها كانت تنظر فى اتجاه البحر، فقد أحست بأن شيئا اختلف. نظرت إلى يده المعروقة النحيلة،
ثم إلى وجهه المتغضن وقامته المنحنية، وشرعت تصرخ فى جنون.
[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذه الصورة]