موضوع: لطـائف في الهجـرة النبـوية السبت نوفمبر 17, 2012 8:36 pm
لطـائف في الهجـرة النبـوية بقلم أ.د.: أحمد محمود كريمة استاذ الشريعة جامعة الأزهر
من المقرر شرعاً أن قداسة الدين الحق فوق كل شيء فلا قيمة لما سواه إذا كان معطلاً أو مهمشاً
أو مهدداً والمحافظة علي الدين من أعلي المصالح الضرورية التي بها تستقيم الحياة الانسانية
ومن سبل ووسائل المحافظة علي الدين التضحية بالنفس والنفيس والمال والأرض
ومنها "الهجرة النبوية" والتي تنطوي علي حكم وأسرار ودقائق ولطائف وعبر وعظات فمن ذلك: * الهجرة حسب الظاهر مفارقة للوطن هجر للأرض ويحسب الظاهر تضييع وفي الحقيقة
حفاظ وصيانة له10. فالمفارقة المؤقتة بألامها "انك أحب البلاد - أي مكة إليّ ولولا أن قومك
أخرجوني ما خرجت بعد سنوات العودة المظفرة ليكون الوطن منارة الهدي "وكذلك أوحينا إليك
قرآنا عربيا لتنذر أم القري ومن حولها.." الآية 4 سورة الشوري. * الهجرة فيها أخذ عملي بالأساليب والوسائل المادية من:- - الاستعانة بأحد الأدلاء - غير مسلم - العارفين بدروب الصحراء. - تكليف علي بن أبي طالب - رضي الله عنه - للمبيت في فراشه - صلي الله عليه وسلم -
ويتغطي ببرده. تمويها علي القوم المحاصرين لداره ليلة الهجرة. - اخفاء موعد هجرته - عدا إعلامه لأبي بكر - رضي الله عنه - - خروجه في عبن الفجر. - الاختفاء في غار ثور. - السير في طرق فرعية غير معتادة. * الجمع "بين يقين وأسباب التوكل" فمن صور اليقين: - قوله - صلي الله عليه و سلم - لأبي بكر - رضي الله عنه - في الغار "لا تحزن إن الله معنا" -
صورة التوبة "يا أبا بكر ما ظنك باثنين الله ثالثهما". - عدم الخوف من لحوق سراقة يريد قتله بل لم يشعر بشيء من ذلك. بل كان مستغرقا في قراءته
ومناجاته لربه - سبحانه وتعالي - ليقينه أن الله - تبارك وتعالي - ناصره. * المكانة الفريدة لسيدنا أبي بكر - رضي الله عنه - لديه - صلي الله عليه وسلم
- فاستبقاؤه - رضي الله عنه - دون غيره من الصحابة - رضي الله عنهم - كي يكون رفيقه في رحلة الهجرة. * تضحيات البيت البكري: الدور البطولي لأسماء بنت أبي بكر - رضي الله عنها
- من عدم افشاء سر الهجرة وتحملها الايذاء البدني والقول وتأمينها للزاد لرسول الله -
صلي الله عليه وسلم - ولأبيها وربط الزاد بنطاقها ودور عبدالله بن أبي بكر - رضي الله عنهما
- في معرفة أخبار القوم وهما في سن الشباب.. وذلك من براهين فتوة الشباب
في خدمة الدعوة إلي الله - عز وجل - بصبر ومثابرة دون كلل أو ملل. * المحبة الحقيقية التي لها دافع ووازع وليست محبة مظهرية أو شكلية
تقف عند حدود المظهر دون الجوهر فمن دلائل المحبة الحقيقية: - ترك المهاجرين لوطنهم ومصالحهم وارتباطاتهم ايثارا لاسلامهم التزاما
ودعوة عملا ودلالة محبة لله ورسوله بما لم يسبق ولن يلحق. - التصرفات الفدائية لأبي بكر - رضي الله عنه - حماية لرسول الله - صلي الله عليه وسلم
- من دخوله غار ثور لمعرفة أحواله من عدم وجود مؤذيات وتجنيده لأمواله وأولاده
الذكور والإناث وراعي أغنامه وكراء ناقتين واجارة دليل الصحراء ويقينه بالله - تعالي -
فقد أخذ أمواله لخدمة الدعوة الإسلامية "تركت لهم الله ورسوله" وكذا طبق بصور مثالية
"لا يؤمن أحدكم حتي أكون أحب إليه من ولده ووالده والناس أجمعين" - متفق عليه -
وسبق معظم أسرته في الخروج للهجرة. * معجزات حسية لرسول الله - صلي الله عليه وسلم - منها:- أخذ أبصار المتخلفين
حول داره من شباب مختارين أشداء أقوياء لقتله وخروجه وسطهم قارئا "وجعلنا من بين أيديهم
سدا ومن خلفهم سدا فأغشيناهم فهم لا يبصرون" سورة يسن. ما حدث لسراقة وفرسه وهو يلحق برسول الله - من غوص الفرس في الرمال واحاطة
غبار ودخان عوائق حالت بينه وبين الوصول. * الدعوة إلي الله - عز وجل - يجب فيها تحمل الأذي وبذل المجهود لنيل المقصود
وتحمل المشاق والصعاب والمتاعب والهجرة وسيلة دعوية كبري فبذل رسول الله - صلي الله عليه وسلم
- وصاحبه جهودا مضنية من السير والاختفاء وركوب الناقة أياما ولم يخرج - صلي الله عليه وسلم -
علانية لانه مشرع فتصرفاته تشريع وقدوة وأسوة. لم يرسل الله - عز وجل -
براقا أو ملكا يوصله إلي المدينة. فالإسراء والمعراج معجزة ورحلة تكريم والهجرة رحلة دعوية
فافترقا فالأولي ليست فيها أسباب حسية ووسائل مادية والثانية تحقق فيها
ذلك تعليم للأجيال ما يجب عليه الدعوة من تحمل ابلاغها. * الوفاء بالأمانات ومراعاة حقوق غير المسلمين فالكفار المشركون في مكة أودعوا
ودائع تخصهم أمانات لدي الأمين - صلي الله عليه وسلم - لم يحجدها. لم يستحلها.
بل كلف عليا - رضي الله عنه - المبيت إلي الصباح لردها لمخالفيه ومخرجيه فحقوق غير المسلمين
جزء أصيل من مهمات النبوة ومكونات التشريع الإسلامي. * مكانة متميزة للمدينة طيبة الطيبة باستقبال حافل يجمع حاشد من كل الأعمار فرحا
واستشارا بانتظار عدة أيام وترقب بحفل استقبال مهيب معطر بقصائد وأهازيج محبة وجدانية قلبية
عاطفية وترحيب جارف وتلمس البركات به - صلي الله عليه وسلم - لاستضافته
وتحري أبو أيوب الأنصاري - رضي الله عنه - وزوجه مكان الأصابع الشريفة
في قصعة الطعام عقب فراغة منه لأكل ما بقي تبركا واحتفاظ أم سلمة - رضي الله عنها -
بشعرات من شعره - صلي الله عليه وسلم - للاستشفاء والتبرك "صحيح البخاري -
كتاب اللباس - باب ما يذكر في الشيب" وجمع أم سليم - رضي الله عنه - لعرقه - صلي الله عليه وسلم -
تبركا واستشفاء "صحيح مسلم - كتاب الفضائل - باب طبت عرقه" واستباق الصحابة - رضي الله عنهم -
لفضول وضوءه وفصلات شعره وغير ذلك تبركا ب لمعرفتهم قدره مما يكشف حقيقة الحب
لا ادعاء الاتباع عند مصابين بوساوس وهلاوس الشرك. المجترئين علي ذاته الشريفة -
صلي الله عليه وسلم - المفترين عليه - صلي الله عليه وسلم - بزعم المحافظة علي العقيدة. * النظم الإسلامية لمجتمع المدينة من: المؤاخاة بين المهاجرين والأنصار بناء المسجد الجامع الدساتير والوثائق الدستورية بين أفراد المجتمع مسلميه وغير مسلميه "معاهدات مع يهود.
وثيقة "صحيفة" المدينة.." التي حقق حقوق: المواطنة. التعايش السلمي. قبول الآخر.
حرية التملك والتنقل والعيش الكريم درن تمايز طائفي والحرية الدينية لأهل الكتاب واقرارهم علي معتقداتهم. * هذه الهجرة النبوية معلم باهر ظاهر في مسيرة الدعوة إلي الله - تبارك وتعالي -
في بناء مجتمع في حقوق الانسان واسعاده ولتبقي الهجرة معينا لمن رام "فقه الدعوة" صافيا واضحا مرشدا. والله - عز وجل - ولي التوفيق.