«يسقط يسقط حكم المرشد»..
خرجت من شارع محمد محمود، كما خرج من قبلها الهتاف عنيفا وقويا: يسقط يسقط حكم العسكر.
كانت صدمة المجلس العسكرى، وكل من يدور حول طاولته المستديرة
فى محاولة للحصول على مكان أو صفقة أو جلسة توزيع غنائم.
خرج الشعار من تلك الملحمة التى كان فيها الثوار وحدهم فى مواجهة تركة مبارك الكاملة
(العسكر والإخوان والمعارضة الكرتونية) وهم وحدهم يفككون جمهورية الجنرالات ونواتها الصلبة ويحطمون هذه الخرافة.
الهتاف أزعج المشير والمجلس، لكنه أعاد للمجتمع المصرى
حيويته وقدرته على رؤية ما هو أبعد من الأمر الواقع.
والإخوان كان حلمهم أن يكونوا «الأمر الواقع» لهذا البلد، ويَرِثون مكانا يستطيعون به إعادة تفصيل الدولة
على مقاسهم، وتصوروا أن كتالوج هذا التفصيل هو الدستور الذى يستميتون للانفراد به
ليس الآن فقط مع الإعلان الملعون، ولكن منذ استفتاء ١٩ مارس حين جهزت عقلية التحايل الإخوانية
أفخاخا لمصر كلها بترتيب خطة يستولون فيها على مفاتيح كتابة الدستور، ولو دخل البلد كله من متاهة إلى متاهة،
ومن توريط للعسكر إلى دفع إلى الصدام وتدمير مؤسسات الدولة.
لماذا الدستور؟
لأنه فى نظر بعض القيادات نرجّع قوانين يمكن أن يغيروا بها وجه الحياة وشكلها، وفى نظر البعض الآخر
هدية لجمهور وعدوه بالخلافة وأستاذية العالم وهم يعرفون جيدا أن هذه أوهام وأضغاث أحلام..
لكن على الأقل يقولون له: لقد بدأنا فى ٢٠١٢ الطبعة الإخوانية من مصر.
هذه هى عقلية تنظيم تسيطر عليه فكرة «التجارة» بشكل جوهرى، فهم يبيعون الوهم، ويعزلون جمهورهم فى معازل
اجتماعية ليحافظوا على «ولاء المشترى» ويخضعونهم لمخاوف وأشباح تطاردهم ليحتكروهم فى حرب الوجود.
ولم يتخيل التاجر الكامن فى أعماق كل قيادة إخوانية، أن هذا الطريق سينتهى بهتاف فى كل مكان
«يسقط حكم المرشد» ويغضب من عاشت الثورة فى كيانه بحرق مقرات الجماعة،
لتكون عنفا رمزيا ضد السلطة، تتشابه فيه مع مقرات كل أحزاب الاستبداد.
العنف الرمزى أشد تأثيرا ووجعا من فعل الحرق أو مطاردة شباب الثورة لمجموعات الإخوان
التى تتكشف لأول مرة حجم قوتهم، فهم يثيرون الرعب دائما لأنهم قيد النداء أو الأمر الذى يصدر لجميع «القوى العضلية»
التى تصور الإخوان دائما أنها ستحسم الخلاف إن وصل إلى مرحلة العنف، لم يدرك «التاجر» لحظة أن المجال
حوله اتسع إلى درجة انتقال الغضب إلى كل مدينة أو محافظة.. غضب عفوى
وليس مبرمجا أو يخضع لترتيبات فى غرف مكتب الإرشاد.
الغضب القوى كشف جزءا من قوة الإخوان، أو مداهم فى العنف، فالقوة العضلية محدودة،
وباقى الحشد ينتمى إلى فئة «الأفندية»، ولهذا فهم يكسبون فى المعارك المحدودة والصغيرة عندما كانوا فى المعارضة،
لكنهم الآن فى السلطة واستدعاء إخوانى من مدينة ليضرب مدينة أخرى
أو يدعم فيها زميله، يواجَه باستنفار أهالى المدينة للدفاع عن مدينتهم.
المشهد تغيَّر، وقوة الحشد على طريقة الإخوان لم يعد لها حظ فى الحسم خصوصا بعد الانتقال إلى السلطة،
وهذا ما يجعل ديكتاتوريتهم بائسة، لأنهم نفسيا ما زالوا يفكرون بعقل الجماعة التى تبيع اضطهادها،
وهذا فى السلطة لا يصلح إلا لصنع المتاهات.
وهذا ما فعله المرسى حين راهن على إخلاصه للجماعة فوضعها فى مواجهة «مصر كلها..» بأطيافها وتياراتها
وطبقاتها المتعددة.. كلها نزلت بالعفوية التى تجعلهم أسبق من قادة التيارات السياسية،
وفى موضع لا يستطيع أحد فيه إلغاء مظاهرة كما فعل مكتب الإرشاد.