يقال إن الشعب المصرى لم يخض حروبًا أهلية على نطاق واسع. وإن كان خاض صراعات أهلية،
غالبًا بسبب الاختلافات العقائدية. بغض النظر، على الشعب المصرى أن يستعد للمرة الأولى.
أعلم أن كلنا نكره مصطلح الحرب الأهلية. ولا ندعو إليه. وأننا التزمنا بالسلمية بقدر المستطاع تجنبًا له.
لكن الكره شىء والواقع شىء آخر. والحقيقة أن ما حدث أمس لا يحدث فى أى بلد فى العالم إلا حين يكون فصيل
قد قرّر خوض الحرب الأهلية. وأعنى بهذا حصار المحكمة الدستورية، لماذا؟ لأن حصار المحكمة الدستورية
ومنعها من أداء عملها معناه إلغاء القانون كسلطة فصل فى النزاعات. ومعناه أن فصل النزاعات سيكون بالكتلة العددية والجسمية، وتلك تتطور عادة إلى السلاح. وحتى لا تسارعى إلى القول بأن هذا تصرف «فردى» وأن قادة «الحرية والعدالة» (يا لفكاهة الاسم) استنكروه،
قبل أن تقولى هذا أحب أن أقول لك إن ما فعله الجمهور فى الحقيقة ليس إلا ترجمة لما فعله رئيسهم من قبل.
لقد أعطى زعيمُهم فى المقطم زعيمَهم فى الاتحادية إشارة البدء لفرض رؤية الجماعة على البلد.
والأهم من ذلك لتعطيل مؤسسة فض النزاعات السياسية بين مؤسسات الحكم، وبين السلطة والشعب، «المحكمة الدستورية».
وتعطيل مؤسسة فض النزاعات فى العالم كله ليس لها إلا معنى واحد، الدعوة إلى الاحتكام إلى القوة الجسدية والحسم الجسدى
وسيلة لفض النزاعات. لقد قلت فى مقال أمس، الذى كتبته قبل حصارهم للمحكمة الدستورية، إن الإسلامجية لا يعرفون
فكرة المؤسسات ولا درسوها ولا مارسوها طوال تاريخهم، وهم حين يريدون أن يقولوا إن الحكم الإسلامى
كان يقوِّم حكامه يستشهدون بمشهد يقف فيه أحد الرعية ليقول لحاكمه: «إذن لقومناك بسيوفنا».
وأن تاريخهم كله تاريخ حسم بالسيف. وانتصار «للحق» بالسيف. تاريخ لم ينتصر فيه إلا السيف،
ولم ينتصر الحق أبدا. تاريخ أفضى بنا إلى الواقع المقيت الذى نعيشه، والذى وَضَعَنا فى ذيل الأمم أخلاقا
وتدينا وعلما وتطورا.. إلخ. وها نحن جيل كتب عليه أن يعيش إحدى حلقاته الدموية. رغم كل
ما قدمنا سابقا من تطمينات. رغم رضانا بأن يصلوا إلى الحكم وفق الوسائل الديمقراطية،
وتصديقنا أنهم سيحافظون عليها، لمعارضيهم قبل مؤيديهم. لكنها كانت الخدعة الكبرى.
إن فرصتكِ الوحيدة الآن هى أن تستعدى. لا أن تبدئى. أن تؤهِّلى نفسك. لا أن تبدئى. تذكّروا دائمًا أن الوصول متأخرين
تعبير مضلّل. وأن معناه الحقيقى الحقيقى هو البدء متأخرين. فيجب أن لا نبدأ متأخرين، نتيجة لخداع النفس، وإمهالها،
وتطمينها، وإغراقها فى الأمانى. باستخدام لغتهم القديمة. إ
ن حصار المؤسسة المدنية لفض النزاعات السياسية معناه «دعوة إلى النزال»، لحسم تلك النزاعات، أو القبول بالإذعان.هل رأيت رجال الرئيس الملتفين حوله والقائدين لجمهوره أمام الجامعة؟ من هؤلاء. هؤلاء قتلة إرهابيون مدانون بجرائم اغتيال، وبقيادة تنظيمات سرية تهدف إلى اغتيال سياسيين. ليس هؤلاء مفاوضين ولا سياسيين ديمقراطيين يؤمنون بتداول السلطة ويؤمنون بدولة المؤسسات والفصل بين السلطات، ولا يفهمون هذه اللغة. شيخهم يقول «قتلانا فى الجنة وقتلاهم فى النار». ويعنى بقتلاهم مَن سيسقط من صفوف المعارضين. لقد حسموا خيارهم فلا تضحكى على نفسك. هذا تنبيه آخر ألفت نظرك نحوه، فلا تتأخرى فى إدراكه كما تأخرنا فى إدراك التنبيهات السابقة التى ظننت فيها أننى أتجنّى عليهم. الشيخ محمد حسان أراد أن يقلل من وقْع الكلمة، فأخذ الميكروفون وقال إن الشيخ لم يكن يقصد ما قال، وإنها مجرد زلّة . فتدخّل عاصم عبد الماجد، أحد قادة تنظيم الجهاد، قَتَلَة الأمن المركزى فى أحداث أسيوط ١٩٨١، والمدان بـ٢٥ سنة سجنًا، ليدلى بدلوه. استشهد القاتل المحكوم عليه بالمؤبد بفتوى ابن تيمية كحلّ وسط: «يُبعثون على نياتهم». أى المقتولون يُبعثون على نياتهم. هذا كل ما يعنيه فى الموضوع، أين يذهب الناس فى الآخرة. أما أرواح الناس، أما السلم الاجتماعى ومستقبل الأفراد وأبنائهم وعائلاتهم، فلا يعنيه فى شىء. بالنسبة إليهم نحن مجموعة من التروس فى آلة العبادة الكبرى. لقد اتخذ آية الله محمد بديع، وروح الله خيرت الشاطر، قرار الحرب الأهلية والحسم بالبلطجة. وأرسلوا القرار إلى صبيانهم المنتشرين هنا وهناك لتنفيذه.