الشاعر هشام الجخ يكتب: على الجميع العودة إلى مقاعدهم

الشاعر هشام الجخ يكتب: على الجميع العودة إلى مقاعدهم
الإثنين، 24 ديسمبر 2012

[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذه الصورة]


انتهى الاستفتاء.. وستعلن النتائج.. وستنطلق الأبواق الإعلامية من الطرفين لتحليل النتائج وتأييدها -
وربما مهاجمتها والتشكيك فيها - ولكن فى النهاية سيفصل القضاء فى النزاعات
وسيعلن النتائج النهائية للاستفتاء وينتهى الأمر.

والحقيقة أن نتائج الاستفتاء الحقيقية ليست فقط فى نسب ومعدلات من قالوا «نعم» ومن قالوا «لا»..
وإنما هناك نتائج أراها من وجهة نظرى أهم وأكبر من هذه النتائج.

دعونا نتعمق بشكل فلسفى بعض الشىء لنرى ما كشف عنه هذا الاستفتاء من إيجابيات وسلبيات
فى المجتمع المصرى قد تفيدنا مستقبلا فى حياتنا الديمقراطية التى نطمح أن نعيشها جميعا.

على سبيل المثال.. لقد كشف هذا الاستفتاء عن حداثة سن المجتمع المصرى «ديمقراطيا» وضعف قدراته
الجلى على الاختلاف والحوار المثقف وتقبل الآخر، وللأسف أخرج هذا الاستفتاء كل مظاهر الجهل والتعصب
والتنطع والمتاجرة بالشعارات والنرجسية والعناد والتمسك بالرأى على جهالة وعدم وعى «من الطرفين»
حتى بلغ الأمر ذروته ووصل إلى التكفير وحرق المقرات والاقتتال فى الشوارع والهجوم على المساجد
وغيرها من السلوكيات التى جعلت رجل الشارع البسيط يلعن الديمقراطية
ويلعن اليوم الذى قامت فيه ثورة تنادى بالديمقراطية.

ولكن دعونا ننظر إلى نصف الكوب الممتلئ.. لقد كشف الاستفتاء عن حجم قوى المعارضة فى الشارع
وتأثيرها على الرأى العام وهو ما يميز الدول المتقدمة التى تمتلك تيارات
معارضة قوية يُعمل لها حساب فى اتخاذ القرارات من قِبل السلطة.

أيضا كان للأحداث المؤسفة التى حدثت فى فترة الاستفتاء بعض الآثار الجيدة
حيث أفرزت المحنة مجموعة من الأصوات المتعقلة والمعتدلة نجحت فى السيطرة على زمام الأمور
وتوجيه الناس للطريق المعتدل وخففت من حدة الصدام بين الأطراف المتناحرة وأثبتت هذه الأصوات
العاقلة أن كيان الشعب المصرى متماسك ولا يمكن بأى حال من الأحوال شقه أو التلاعب فى وحدته.

أيضا لاحظنا فى الفترة الأخيرة زيادة وعى الشعب المصرى تجاه الشائعات باختلاف أنواعها
وعدم الوقوع السهل فى شرك الشائعات والأخبار المكذوبة - وهو الأمر الذى كان سائدا
فى المجتمع المصرى من قبل - وأيضا لاحظنا حالة من الرقابة الشعبية تكونت عند العوام على كل شىء
يخص مقدرات الدولة وممتلكاتها وسلوكها وحالات عديدة لفضح الفساد
فى مؤسسات الدولة يقوم بها أفراد من الشعب كانوا - سابقا - يشاهدون ولا يتكلمون.

والملاحظ أيضا فى الشارع اختلاف وتغير الخطاب السياسى وتوجهه بالكامل نحو القطاع الاقتصادى
وإدراك الناس لأهمية المناحى الاقتصادية وعزوفهم عن الصراعات السياسية التى لا طائل
ماديا منها بعد أن سئموا وملُّوا من كثرة الخطابات
الرنانة والألفاظ البراقة والمقترنة بضيق الحال وشظف المعيشة.

لقد انتهى الاستفتاء.. وأيا كانت نتيجته فسيقبلها الشعب
وسينتظرون مقابلا جيدا لقبولهم هذا.. مقابلا يتمثل فى حياة كريمة وسِعة رزق.

لقد أثبت الشعب المصرى أنه سريع التعلم بطبعه.. وأى شخص يقارن بين الشعب المصرى وتجربته
فى الديمقراطية بالمقارنة بأى شعب آخر «كالعراق أو لبنان أو فرنسا أو تشيكوسلوفاكيا أو الأرجنتين
أو الولايات المتحدة الأمريكية» سيجد أن الشعب المصرى قد قام «بتمصير» التجربة وصبغها بصبغة
خاصة اعتمدت على سمات شخصية وطبيعية خلقها الله فى أهل هذه البقعة من الأرض دون غيرها..
وصدق صلى الله عليه وسلم حين قال هى وأهلها فى رباط إلى يوم الدين.

انتهى الاستفتاء.. وسيتم الطعن فيه من قبل المعارضة وسيتم التهليل له من قبل السلطة
وسيفصل القضاء بينهما ولكن فى النهاية سيقبل الجميع النتائج وسيستمر هذا البلد فى مسيرته وسيستمر
فى إبهار العالم بمقدرته على احتواء مشكلاته وأمراضه ومآسيه
كما أبهرهم من قبل فى ثورته الضاحكة التى تحدث عنها مؤرخو العالم.

لقد غير هذا الاستفتاء أفكارا كثيرة كانت مستقرة فى ذهن السلطة الحاكمة فيما يخص حجم المعارضة
وقوتها على الأرض وسيظهر آثار هذا التغيير فى القرارات المستقبلية للسلطة وستحلق مصر -
إن شاء الله - بجناحى السلطة والمعارضة سويا رغم وجود بعض الآراء المتشائمة
التى تحاول بث الإحباط فى ضلوع الشعب المصرى ومحاولة الترويج للفكر المتشائم الهدام.

انتهت التجربة وعلى الجميع العودة إلى مقاعدهم والبدء فى البناء.. شكرا للسلطة
على أدائها للدور المنوط بها.. شكرا للمعارضة على إظهار آرائها ومحاولة تقويمها لمتخذ القرار..
على الجميع الآن التكاتف والتوحد وتقريب وجهات النظر والعمل للصالح العام.. لتحيا مصر.