بعد أن ذاقت ليلى خداع الذئب في قصتها المشهورة التي يعرفها الصغار والكبار والبنات والصبيان والرجال والنساء، وفي كل اللغات والبلاد، لم تعد تصدق ذئباً وتأمَن مكر الذئاب..
وكلما صادفت ذئباً وهي تمشي في طريقها في الغابة.. ابتعدت عن طريقه.. وسلكت طريقاً آخر لا يسلكه.. وسبيلاً مختلفاً لا يطرقه..
ومرّت أيّام وأيّام وليلى على هذه الحال..
وفي يوم تلقَّت ليلى دعوةً من صديقة لها، تقيم في الجهة الأخرى من النهر الذي يمر وسط الغابة ويشقها إلى قسمين..
وكانت ليلى تحب بزيارة صديقتها والتعرف إلى أسرتها ومنطقتها..
لكن أمّها لم توافق على ذهابها لوحدها إلى الضفة الثانية من النهر.. فأصرّت ليلى على الذهاب وصارت ترجو أمّها لكي توافق، مؤكدة أنّها لنْ تتأخر في العودة..
فوافقت أمها على مضض وأوصتها كعادتها بأن تنتبه إلى نفسها في الطريق ولا تكلم أحداً..
ذهبت ليلى إلى النهر.. فلم تجد مركباً يوصلها إلى الضفة الأخرى.. فجلست تنتظر وصول مركب ما..
صارت ليلى تتأمل الطبيعة الساحرة.. وتنصت إلى صوت النهر ينساب بهدوء في مجراه.. وكان صوت الضفادع والبلابل والحساسين يزيد المنظر جمالاً وحسناً..
وبعد مدة قصيرة..
وفيما كانت ليلى غارقة في هذا المشهد البديع الجميل.. سمعت صوتاً يناديها: ليلى.. ليلى...
نظرت حولها فلم تجد أحداً..
صار الصوت يرتفع أكثر: ليلى ليلى.. أنا هنا داخل النهر.
وقفت ليلى وتوجهت نحو النهر، فرأت تمساحاً ضخماً يلوح لها بذنبه ويضرب برأسه صفحة الماء..
خافت ليلى وتراجعت.. فقال لها التمساح بصوت هادئ حنون: أهلاً بك يا بنيتي.. رأيتك تجلسين وحدك فعلمت أنّك تنتظرين مركباً بوصلك إلى الضفة الأخرى من النهر.. المراكب اليوم ذهبت كلها.. وستعود متأخرة.. ما رأيك أن تصعدي على ظهري فأحملك إلى الضفة الأخرى حتى لا تتأخري بالوصول؟
احتارت ليلى بعد سماعها لهذا الكلام.. فشكرت التمساح وقالت له إنّها ستنتظر أحد المراكب.. لأنّها تخشى ركوب ظهره حتى لا تقع في الماء..
فعاد التمساح وقال لها: لا تخافي يا ليلى... فأنا أعرفك.. وأعرف أمك وأباك... ولطاما نقلت أباك عبر النهر.. ألم يحدثك أبوك عني؟؟ غريب أنّه لم يخبرك عن قصصي معه. . فأنا أعرفه منذ زمن بعيد.. هيا يا ليلى لا تضيعي الوقت ولا تخافي.. سأطفو فوق الماء في هدوء تام.. ولن تشعري أنك في النهر.. لا تخافي.. أعدُك بمغامرة جميلة تحكيها لكل صديقاتك..
فكرت ليلى..
قالت في نفسها يبدو أنّه تمساح لطيف.. ومن يدري؟ ربما لن تأتي المراكب اليوم.. وحتى لو أتت فسوف تأتي متأخرة وأنا لا أريد التأخر أكثر من ذلك..
فقالت للتمساح إنّها موافقة، وسألته عمّا يريد بالمقابل؟
فضحك التمساح وطمأنها أنّه لا يريد شيئاً.. فهو يحب المساعدة فقط.
صعدت ليلى ظهر التمساح بعد أن اقترب من الضفة.. وعندما وطأت ظهره بباطن قدميها شعرت بقسوة جلده وحدة تعرجاته.. ثم جلست على ظهره الصلب بهدوء.. وطلب منها أن تمسك به بقوة..
صار التمساح يسبح برفق وهدوء تام كيلا تقع ليلى في النهر..
بعد أن وصل التمساح إلى منتصف النهر ما بين الضفتين وقف في مكانه..
لم تفهم ليلى سبب توقف التمساح..
فقالت: ما بك أيها التمساح العزيز؟
قال: ما رأيك يا ليلى لو نتوقف للحظات وآخذك إلى بيتي لتتعرفي إلى زوجتي وأبنائي التماسيح الصغار.. فبيتنا قريب من هنا.. ثوان معدودات ونصل إليه..
قالت له: لكني أخشى أن أتأخر أكثر.. فالوقت يمضي بسرعة..
قال التمساح: لا تخافي.. هذا هو بيتي.. فوق هذه الجزيرة الصغيرة وسط النهر.. انظري ها هو.. سوف يفرح أولادي الصغار بزيارتك..
قالت: حسناً.. بشرط ألا نتأخر..
شكر التمساح ليلى على قرارها النبيل.. ثمّ استدار نحو الجزيرة الصغيرة.. وبسرعة وصل إليها حيث كانت أسرته تنتظره..
عندما رأى التماسيح الصغار الصغيرة ليلى على ظهر أبيهم بدت عليهم الفرحة العارمة وراحوا يصيحون ويرفعون أصواتهم مرحبين مهللين..
فرحت ليلى كثيراً بهذا الاستقبال الحافل.. وحيَّت التماسيح الصغار وأمهم.. وشكرتهم جميعاً على هذا الترحيب..
ثم صعدت ليلى إلى الجزيرة الصغيرة، وجلس التماسيح الصغار حولها، والأم والأب يراقبان.. شعرت ليلى بلطف التماسيح البالغ.. وأحبت أن تجلس معهم فترة طويلة.. فطلب التماسيح الصغار منها أن تحكي لهم قصتها المشهورة مع الذئب..
فضحكت ليلى وراحت تحكي لهم القصة..
وبعد أن انتهت من القصة شعرت أنّ الوقت مضى بسرعة، فطلبت من التمساح الأب أن يوصلها إلى ضفة النهر.
فقال: لها ما زال لدينا بعض الوقت..
فقالت: لكني سأتأخر؟
فصار التماسيح الصغار يتوددون إليها ويرجونها أنْ تبقى معهم بعض الوقت..
نظرت ليلى إلى التمساح الأب.. وكانت لا تريد أن تُحزن التماسيح الصغار..
فقالت لهم: حسناً.. سأبقى لفترة قصيرة.
ثمّ قالت للتمساح الأب: لكنْ عليك أنْ توصلني إلى الضفَّة الأخرى ثم تعيدني لأنني أخشى أنْ لا أجد مركباً في طريق العودة.. فطمأنها التمساح.. وقال لها إنّه سينتظرها حتى تنتهي من زيارتها..
فعادت ليلى لتتحدث إلى التماسيح الصغار، فسألتهم عما يفعلون في أيامهم؟
فقالوا لها إنّهم ما زالوا صغاراً، وأبوهم هو الذي يذهب إلى النهر ويحضر لهم كل يوم طعاماً شهياً تحضره لهم أمهم في مائدة لذيذة، ويجلسون يأكلون ويتكلمون حتى المساء، ثم ينامون، وفي كل يوم يحضر لهم أبوهم وجبة طيبة شهية لذيذة..
نظرت ليلى حولها فلم تجد شيئاً من الطعام.. وكان التمساح الكبير ابتعد عنها قليلاً يجمع عيدان الحطب..
سألت ليلى التماسيح الصغار بلطف: وماذا ستأكلون اليوم يا أحبائي؟
ضحك التماسيح الصغار.. وسال لعابهم.. وقالوا: طعامنا اليوم شهي جداً.. طعامنا اليوم هو "أنت"...
وصاروا يصيحون ويضحكون.. وهجموا مرة واحدة على ليلى ليمسكوا بها..
قفزت ليلى بسرعة في النهر دون أن ينتبه لها الأب ولا الأم.. فصار الصغار يصرخون..
حاول الأب اللحاق بليلى التي كانت خائفة جداً وتسبح بقوة نحو ضفة النهر.. لكن كيف تنجو ليلى من هذه المصيبة هذه المرة؟ فالتمساح قوي جداً وسريع جداً.. ومن يسبقه يجب أن يكون بطلاً في السباحة.
صار التمساح يضحك ويماطل بالقبض على ليلى وينتظر اقترابها من الضفة حتى يمسك بها.. وظل التمساح يضحك ويذكّر ليلى بقصتها مع الذئب.. ويقول لها: من ينقذك مني اليوم يا ليلى.. فأنا سأنتقم لصديقي الذئب..
ظلت ليلى تسبح وتسبح وتحرك يديها بكل ما تملك من قوة.. ولما اقتربت من الضفة.. تحرك التمساح نحوها بسرعة هائلة.. وعندما أوشك التمساح أن يمسك بليلى.. وصل حارس الغابة نفسه الذي أنقذها سابقاً من الذئب الشرير.. وأطلق على التمساح طلقة من بندقيته فأصابه في خاصرته.. فصار التمساح يتلوى من الألم.. وغاص في قعر النهر حتى اختفى..
عندها أسرعت ليلى بالخروج والنجاة من هذه المصيبة التي وقعت بها..
اقترب الصياد من ليلى.. وهنأها على نجاتها.. وكان سعيداً لأنه أنقذ ليلى مرتين..
وبعد أن عرف قصة ليلى مع التمساح.. حذرها من الوقوع مرة ثالثة في فخ جديد.. عندها ربما لن يكون حارس الغابة موجوداً لينقذها من الأشرار