كانت قاعة الفرح فى الدور الخامس، لذلك صعد إليها العريس والعروس فى الأسانسير، ومع ذلك استقبلتهما فرقة الزفة
بـ«طالعة السلالم». أنت فى فرح مصرى فأهلا بك، لا تندهش من الشوَك والسكاكين التى وجدتها على منضدتك فور جلوسك،
فهى مخصصة لكى ترقص بها أو تستخدمها كصاجات بالذات عندما يقترب منك مصوِّر الفيديو، وتابعه حامل لفة الأسلاك،
حاول أن لا تعمل للكاميرا «باى باى» فأنت لست فى الاستاد، وحاول أيضًا أن لا تفتعل حوارا جادا مع الشخص الجالس
إلى جوارك (ماتمثلش) فنحن نعرف جيدا أنك (مش سامعه من الدوشة)، فقط كن تلقائيًّا حتى موعد البوفيه.
لا تتوقف كثيرا أمام الظواهر الغريبة التى ستقابلها حتى يدخل القاعة صفان من الرجال،
كل واحد يحمل سيفا تنبعث من جنباته النار، فهؤلاء ليسوا كفارا بصدد تعذيب المسلمين الذين بدؤوا الفرح
بـ«أسماء الله الحسنى» ولا هم مناديب جهنم لتعذيب والدة العريس التى اندمجت فى الرقص على أغنية
«اللى تهز شمال ويمين بالعباية والناس ماشيين»، ولا هم مجاهدون همهم إقامة الحد على الثنائى الرجالى المشبوه
الذى شارك فى «الفيرست دانس» وكان عبارة عن شابين من أقارب العريس حاولا وضع لمساتهما الكوميدية
على الحدث. هم فقط موجودون بالسيوف المشتعلة حتى يمنعوا المعازيم من الاقتراب من البوفيه حتى ينتهى العروسان
أولا من الفرار بوجبة تضمن لهما البقاء على قيد الحياة حتى يلعب الدى جى «سهر الليالى».
بالمناسبة عندما ينادى الدى الجى «فين أصحاب العريس» لا تشعر بتأنيب الضمير
إذا كانت مُحرَجا من مغادرة مكانك لأى سبب، فنداء الدى جى ليس مُقدسًا، كما أنك لو تحركت ستجد نفسك بمفردك هناك،
لأن أصحاب العريس الأصليين غالبا خارج القاعة «بيصطبحوا»، وأصحاب العريس الأصليون
هم الذين يقودون الدى جى وليس العكس، على النقيض تماما المدعوات اللواتى يتحكمن فى الدى جى غالبا
هن لسن من صديقات العروس قوى يعنى، وغالبا هم فى الفرح من أجل الرقص على أنغام أغنيتهن المفضلة على أكبر سماعات ممكنة
بعد سنوات من الرقص عليها، مستخدمات سماعات المحمول، لكن إذا ما اضطررت إلى المشاركة فى هذه الحلبة
فحاول أن تتفادى قاعدة الرقص الحديث فى الأفراح المصرية (الرجالة بيرقصوا حريمى، والحريم بيرقصوا تجريبى)،
وتفادى أن تشارك فى تلك الدائرة الساذجة التى يصنعها الأصدقاء حول العريس متشابكى الأيدى، فهى أسمج
ما فى الطبقة المتوسطة، فلا أنت مرحت كابن بلد ولا أنت حافظت على شياكتك كابن اللى ماسكين البلد، وإياك ولحظات
الاندماج التى تدفعك للوقوف راقصًا فوق الترابيزة، الترابيزة أصلا مش ناقصة، فهى تتحول بعد ساعة من بداية الفرح
إلى معرض يضم بواقى الفول السودانى والفستق وبُقع الشربات المدلوق وطفْيَة السجاير المتناثرة فى كل مكان
وباكيتات الشاى الفتلة فى عناق مع الملعقة فى المسافة بين الفنجان والطفاية، يمكنك أن تأخذ جانبا من جوانب الحلبة
وتصفق للصبح، ماحدش هيقولك حاجة، وخذها نصيحة مش أى حد يشدك لداخل الحلبة تروح معاه،
سيضطرك الإكراه المعنوى إلى التهبيل وستخرج من الحلبة تنظر إلى وجوه الناس فتجدهم يتحاشون النظر إليك
حتى لا تقرأ فى عيونهم وجهة نظرهم فى اللى انت عملته، بالذات لو كانت الأغنية لبنانية،
وحاولت أنت أن تجاريها وعملت فيها «فارس كرم» فتصبح النتيجة أنك تبدو كـ«كرم مطاوع».
استمتع بمراقبة طقوس الفرح عند كل فئة من المعازيم، راقب الأمهات، وهن يجرين خلف الآباء حتى يرغموهم
على الجرى خلف الأطفال الذين يجرون أساسًا خلف الرقاصة، الزوجان الجديدان يحضران دائمًا متأخرين بعد الزفة،
فلا تعتقد أنها السعادة البيتى التى لا يريدان التخلى عنها من أجل أفراح الآخرين، لكنه تأخير جاء عقب خناقة
بدأت فى اللحظة التى شعر فيها الزوج بأن بدلته بدأت «تتكسر» من طول انتظاره لزوجته وهى تسفلت وجهها،
هذا التوتر ينعكس على كل شىء فى الطريق، بداية من سائق التاكسى المستفِز، مرورًا بالتوهان فى أثناء البحث عن الفندق،
نهاية بالبحث عن ركنة، نهاية بالتقطيم العابر من الزوجة لعدم اللحاق بالزفة، معتقدة أن السبب هو الوقت
الذى أضاعه الزوج فى الخناق مع سائق التاكسى (شوف البرود يا أخى)، أما المخطوبون فينصرفون قبل أن ينتصف الفرح،
فهناك فرصة لهما، وهما فى كامل شياكتهما أن يمرحا قليلا قبل أن يعيد الخطيب خطيبته إلى منزلها فى الميعاد المقرر،
العُزَّاب يبحثون عن عروسة فيطاردون كل الآنسات بعيونهم طول الفرح، والعازبات يبحثن عن عريس،
فيطاردن الشباب بكل شىء ما عدا أعينهن، استمتع بالابتسامة الثابتة على وجوه الجدات وتحرر من المقولة الظالمة
التى وصفتهن بأنهن (عواجيز الفرح)، صحيح أنهن غارقات حتى آذانهن فى النميمة على الجميع،
لكن لا تنس أن الجميع هم أطفالهن الذين مسحوا لهن مؤخراتهم من مخلفات الطفولة اللا إرادية، الآن هن مستمتعات
برؤية هؤلاء الأطفال كبارا يراهِنَّ أنفسهن أن لا أحد تغير فيهم، وتظل حالة الرِّهان
هذه قائمة بينهن حتى نهاية الفرح، وكسبن الرهان أو خسرنه لا يفقدن الابتسامة أبدا.
إياك وقاعدة «ماعملتش غدا نبقى ناكل فى الفرح بالليل» فهى تحولك إلى طير جارح أمام الديك الرومى،
وتجعلك تترى أحمق، تسيل ريالته أمام سيرفيس أم على، وستدور بداخلك معركة بين كرامتك وجوعك، فحاول
أن تخمدها بما تطوله يداك دون مزاحمة، عليك وعلى المحاشى، ولا تشغل بالك بموضوع اللحوم (أنت مش فى عقيقة)،
ولا تكن لصا يراوغ من يسبقه فى الطابور، وإن اضطرك الجوع لأن تكون لصا فكن لصا خفيف الدم، وحاول فى ذهابك
وإيابك وعند جلوسك إلى المائدة أن لا تنظر إلى أطباق الآخرين، متأملا غنيمتهم أو مندهشا بحماقة (إيه ده؟ هو فيه مكرونة فرن؟).
كن ذلك الشخص النادر الذى يترجاه أصحاب الفرح أن ينتظر حتى البوفيه، ويقبّلون يديه حتى يحمل طبقه
ويحصل على نصيبه، وييأسون منه فيُحضرون له الطعام بأنفسهم، فإذا ما أكلت فلا تجلس
بقية الليل تنخور فى أسنانك بأعواد الكبريت وتتجشأ (إنت مش بتتعشى عند البرنس).
بعد البوفيه حاول أن تنتظر قليلا ولا تكن كـ«الضيف المجنون يتعشى ويقوم»، والتقاط الصورة الجماعية
واجب مثل واجب العزاء بالضبط، وإن كان ثمة طفل فى حوزتك ونام من فرط التعب فلتحمله بعد إذنك بدلا من زوجتك،
وحاول قدر استطاعتك بعد رجوعك إلى البيت أن تقاوم رغبة محمومة فى النميمة وسلخ فروة كل من شارك فى الفرح،
فإن أصرت زوجتك عليها فلتجعلها بالكتير أوى نميمة فى حدود الاختيارات الغنائية للدى جى.
[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذه الصورة]