مصر علَّمت أبا الأنبياء تطور الأخلاق.. الآن تتوقف28/12/2012 خالد البرى هذه قصة النبى إبراهيم وزوجته سارة حين نزلا إلى مصر، كما تُروى فى سِفْر التكوين: «وحدث لما قرب أن يدخل مصر أنه قال لساراى امرأته إنى قد علمت أنك امرأة حسنة المنظر،
فيكون إذا رآك المصريون أنهم يقولون هذه امرأته فيقتلوننى ويستبقونك، قولى إنك أختى
ليكون لى خير بسببك وتحيا نفسى من أجلك. فحدث لما دخل أبرام إلى مصر أن المصريين
رأوا المرأة أنها حسنة جدا. ورآها رؤساء فرعون ومدحوها لدى فرعون،
فأخذت المرأة إلى بيت فرعون. فصنع إلى أبرام خيرا بسببها، وصار له غنم وبقر وحمير
وعبيد وإماء وأتن وجمال. فضرب الرب فرعون وبيته ضربات عظيمة بسبب ساراى امرأة أبرام.
فدعا فرعون أبرام، وقال ما هذا الذى صنعت بى لماذا لم تخبرنى أنها امرأتك.
لماذا قلت هى أختى حتى أخذتها لى لتكون زوجتى، والآن هوذا امرأتك خذها واذهب.
فأوصى عليه فرعون رجالا فشيعوه وامرأته وكل ما كان له».
إبراهيم ينزل إلى مصر بصحبة سارة.
١- يطلب منها أن تقول إنها أخته (وهذا صحيح لأنها أخته من أبيه) وتخفى أنها زوجته.
٢- يراها فرعون ويأخذها إلى قصره، ويغدق على إبراهيم بالهدايا مقابلا لذلك.
٣- يعاقب الله فرعون على «الزنى» بزوجة إبراهيم.
٤- يفهم فرعون السبب، فيعاتب إبراهيم على كذبه،
ثم يرد إليه زوجته، ويحفظ عليه هداياه، ويؤمن طريق خروجه.
نفهم من تلك القصة أمرين مهمين. واحد، أن النبى إبراهيم كان متزوجا من أخته. اثنان،
أنه كان متسامحا مع فكرة أن تنام زوجته مع رجل غريب مقابل أمانه الشخصى. لا تتعجلى،
فتظنى أننى أريد أن أدين النبى إبراهيم أخلاقيا. بالعكس تماما. أريد أن ألفت نظرك
إلى أن التطور الأخلاقى حقيقة راسخة. معيار الصواب والخطأ يتغير من عصر إلى عصر.
بل ويتغير فى نفس العصر حسب «النشاط الإنتاجى» لكل مجتمع. فى هذه القصة، جاء إبراهيم
من مجتمع رعوى، حديث العهد على ما يبدو بـ«الرهط»، وهى كلمة تطلق على شكل من المجتمعات
الصغيرة، المرأة فيها هى الأساس، وهى مربط النسب. فى مرحلة ما، وبسبب قلة عدد الجماعة،
كان زواج الأقارب مسموحا، وكان تعدد علاقات المرأة ولو لتحسين النسل مسموحا.
والممارسة الأخيرة ظلت باقية فى الجزيرة العربية حتى قبيل البعثة المحمدية.
رويت هذه القصة لأشرح -من القصص الدينى- ماذا أعنى بأن الكود الأخلاقى فى مصر
لا يزال فى مرحلة «القرية»، وأقصاها «المدينة»، لكنه لم يتطور إلى مرحلة الـ«سيتى»
أو الموطن/الوطن/الدولة. الناظرة إلى أخلاق مجتمعنا بحيادية، ستراها بنفس «التخلف عن زماننا»،
الذى ترين أنت به أخلاق مجتمع النبى إبراهيم. أو قولى بنفس التخلف الذى رأى به فرعون مصر،
حسب القصة، أخلاق مجتمع النبى إبراهيم. لذلك عاتبه ورد إليه زوجته.
يسب الإسلامجية الفراعنة، فيقولون إنهم كانوا يتزوجون أخواتهم. دون التفات إلى الزمن
الذى فعلوا فيه هذا. لو قسنا الأمور بمنطق الإسلامجية لقلنا إنه فى زمن إبراهيم، كان الفراعنة
«أفضل أخلاقا» من أبى الأنبياء. لكن الأمور لا تقاس بهذا الشكل. ومشكلة الإسلامجية أنهم أسبغوا
قداسة على نمط أخلاقى، ينتمى إلى مكان وزمان معينين. قد يكون متطورا عما قبله. لكنه متخلف
عما يعرفه العالم الآن. هذه طبيعة الأمور. هم مثلا ينتقدون زواج القربى، أوكيه، لكنهم يدافعون عن
مفاخذة الصغيرة. لماذا؟! لأنهم ثبّتوا الزمن عند أخلاق تنتمى إلى القرية القبلية. يمكن لهذه القرية القبلية
أن تنتقد أخلاق المجتمع الرعوى. لكنها لا تلتفت إلى حقيقة أن ابنة الـ«سيتى»
ترى أخلاق المرحلة القروية بنفس التخلف والتنفير، أخلاقا مثل، عدم احترام المواعيد، قلة النظام،
العدل بالاستنساب والعرف، الطبقية، انتقاص حقوق المواطنة، الانتقاص من قدر المرأة،
اضطهاد المختلفين عقائديا أو سياسيا، الإفراط فى سلطات الحكام. ناهيك طبعا بمفاخذة الصغيرة،
كما أشرت سابقا، وإباحة التمتع بزوجات المهزومين فى الحرب. فى عرفنا الحاضر،
فى أخلاق الـ«سيتى»، هاتان جريمتان. الأولى «بيدوفيليا - ممارسة الجنس مع الأطفال»،
والثانية جريمة حرب. وتلك مجرد أمثلة. لكن القائمة تطول.
هل استطعت أن أوصل الفكرة؟ أتمنى ذلك؟!
المصدر
[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذا الرابط]