من تجارب التحول الديمقراطى27/12/2012 [ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذه الصورة]د . عماد جاد
كثيرة هى الدروس التى يمكن أن نستخلصها من تجارب التحول الديمقراطى فى دول مختلفة سبق وسارت
على نفس الدرب الذى تسير عليه مصر الآن، وكثيرة هى الدول التى خاضت تجربة التحول بنجاح
ووصلت إلى قمة التطور الديمقراطى وحققت فى الوقت نفسه مستويات متقدمة من التطور الاقتصادى
جعلتها تفارق خانة دول العالم الثالث وتدخل فئة العالم الثانى، ومنها من أوشك على الخروج منها باتجاه
العالم الأول الأكثر تقدما وديمقراطية. وقليلة هى الدول التى تعرضت لانتكاسة شديدة قذفت بها إلى
دروب الديكتاتورية، ومن ثم التخلف والفقر، وظلت قابعة فى فئة العالم الثالث، بل إنها باتت تتذيل
هذه الفئة من حيث مؤشرات التقدم والتطور والتحضر. وإذا أمعنا النظر فى تجارب التحول الناجحة
على غرار البرازيل والأرجنتين وتشيلى فى أمريكا الجنوبية، وجنوب إفريقيا فى قارتنا السمراء
وكوريا الجنوبية فى آسيا، فإننا نرصد عوامل ثقافية لعبت دورا مهما فى تدعيم عمليات التحول،
حيث اُستخدمت الثقافة بمعناها الشامل فى حفز عملية التحول الديمقراطى وتشجيعها، لم يكن فى ثقافة
هذه الدول ما يعى قيمة الديمقراطية أو غيرها من القيم الإنسانية كالعدل، المساواة والحرية،
كما لعب رجال الدين فى هذه التجارب دورا إيجابيا فى حفز عملية التحول الديمقراطى،
بدءا من التصدى إلى النظم السلطوية وصولا إلى توفير الأساس الأخلاقى لقبول القيم الإنسانية العامة،
ففى أمريكا اللاتينية ظهر «لاهوت التحرير» الذى جعل الكنائس الكاثوليكية هناك تلعب دورا محوريا
فى التصدى للنظم السلطوية وتوفر الأساس الأخلاقى لقيمة المقاومة الوطنية. وفى جنوب إفريقيا
توافرت هذه الأسس من خلال دور إيجابى لرجال الدين فى مقاومة حكم الأقلية البيضاء على النحو الذى
جسده الأسقف ديزموند توتو الفائز بجائزة نوبل للسلام والذى وفر للزعيم نيسلون مانديلا الأساس الأخلاقى
والروحى للعمل المقاوم. أما فى كوريا الجنوبية فقد شهدت تجربة متميزة فى تحقيق درجات متقدمة
من التطور الاقتصادى فى ظل غياب الديمقراطية، فكوريا الجنوبية قدمت درسا واضحا على إمكانية
أن تقود التنمية الاقتصادية إلى تحقيق التطور السياسى الديمقراطى، وعلى تحقيق معدلات مرتفعة من
التطور الاقتصادى تقود فى مرحلة تالية إلى تحقيق التنمية السياسية، أى تقود إلى التطور الديمقراطى،
فقط حققت كوريا الجنوبية فى الستينيات والسبعينيات قفزات كبيرة فى النمو الاقتصادى تحت
حكم عسكرى غير ديمقراطى، ومع تراكم معدلات التنمية الاقتصادية تزايد الطلب على الديمقراطية
وانتهى الأمر بتحقيق الديمقراطية. ومن بين النماذج المهمة هنا والمغايرة للتجارب السابقة نموذج ماليزيا،
الدولة متنوعة الأديان، الأعراق واللغات، الدولة التى يمثل فيها الإسلام دين الغالبية،
فالتحول الاقتصادى والسياسى هناك جاء على يد شخص امتلك رؤية وطنية ثاقبة وتمتع بقدرات قيادية حقيقية،
وضع رؤية لبلده على طريق التحول النمو الاقتصادى والسياسى، صاغ دستورا
توافقيا للبلاد حقق درجة عالية من التوازن، ولبى إجمالا، تطلعات الفئات المختلفة من الشعب الماليزى.
العامل المشترك فى كل هذه التجارب هو امتلاك الرؤية الواضحة والنفس الطويل فى العمل،
فتجارب التحول الاقتصادى والاجتماعى والسياسى تتطلب وقتا طويلا، سنوات عديدة،
تتراوح ما بين عقد وثلاثة عقود، تتعرض فيها التجربة لعقبات وصعوبات، وقد تتعرض للانتكاس والتدهور،
لكن المهم هو امتلاك الرؤية من ناحية والإيمان بالمشروع من ناحية ثانية
واتباع سياسة النَّفَس الطويل، قد تتعرض القوى المطالبة بالتحول الديمقراطى والتطور الاجتماعى
لخيبات أمل، بل قد تتعرض للتخوين وربما الملاحقة وأيضا إدانة الغوغاء والدهماء، المهم هو
الإيمان التام بالمشروع من ناحية والمثابرة واتباع سياسة النفس الطويل من ناحية ثانية.
المؤكد أن العمل على تحقيق التطور الاقتصادى والاجتماعى والسياسى فى مصر أكثر صعوبة مما حدث
فى الدول سالفة الذكر من البرازيل إلى ماليزيا، فهناك عوائق ثقافية واجتماعية وجماعات مصالح
تريد استمرار آليات عمل النظام القديم مع تغيير فى النخب، وهى جوانب لا بد أن تكون واضحة
لكل من يريد تحقيق تحول ديمقراطى حقيقى فى مصر، فهذا التحول سيتحقق عبر طريق طويل ووعر،
وما لم تمتلك النخبة المدنية ممثلة حاليا فى قلب جبهة الإنقاذ الوطنى، هذه الرؤية وتتبع
سياسة النفَس الطويل، فإن مآل عملية التحول سيتجه نحو تجارب
أبقت دولها فى ذيل قائمة دول العالم الثالث كحالة إيران.
[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذه الصورة]