صيد الذاكرة ... هالة كوثراني [ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذه الصورة] لا تتحكّم بي مناماتي ولا أتحكّم بها. أنتظرها، أعتبرها نزهة في عالم غرائبيٍّ ممتعٍ،
عالم لا سيطرة لي عليه. لا تتحكّم بي لأنني لا أحسب لها حساباً بعد صحوي.
لا أخاف منها ولا أعتبرها بشائر، لكنني أنتظرها.
أرى لمحات منها خلال يومي، وأرى لمحات من يومي فيها.
أحلم بأشدّ الأمور تفاهة وأحلم بمشاهد أعتبرها أحداثاً خطيرة.
وتسعدني ألعاب العقل هذه، يسعدني صيد الذاكرة من مشاهد
وصور أراها مكتملة بألوانها وأصواتها وروائحها.
أحلم بالرائحة. وحين أغضب أو أحزن أنام لأحلم، وقبل أن أنام أحلم بأن أحلم.
وأحسّ بالخوف والبهجة معاً حين يكمل مشهدٌ صباحيٌّ أعيشه مشهداً عشته في منامي.
كأن أحلم بشخص لم ألتقه منذ أعوام طويلة، ثم أقرأ صباحاً في إيميل أحد الأصدقاء
أن هذا الشخص الذي لا أعلم كيف ولمَ تسلّل إلى حلمي، عاد البارحة
من هجرته إلى بيروت. لكنني أقول إنها مصادفة، مجرّد مصادفة.
أرى في المنام الهروب الأجمل، أرى هروباً من أصعب ألغاز الحياة،
من لغز الألغاز بالرغم من أن النوم يشبه بروفه له. في المنام
أنسى بأنني سأموت، هذا إذا لم أمت في المنام نفسه.
الموت في الأحلام يطارد الذين نحبهم. وحين نصحو، فقط حين نصحو،
نهرب من معنى الحلم ومن الموت فيه بأن نقول إن عمراً جديداً كتب لمن رأيناه ميتاً.
كثيراً ما أحلم بأسماك بأحجام مختلفة، أسماك صغيرة وأسماك ضخمة،
وهو حلم يتكرّر وحده أو يخترق مشاهد أخرى هي أحلامي. غالباً ما أحلم بصمت الأسماك.
وأستغرب حلمي هذا الذي يتكرّر. أحلم أيضاً بأنني أقود سيارة
في طرق جبلية ضيقة. ثم تقودني السيارة ولا أسيطر عليها.
المنظر حولي جميل إلا أن سرعة السيارة تفقدني القدرة على التمتع به.
أصحو ولا أصدّق أنني ثابتة مكاني. أصحو من عالم بعيد هو امتداد جميل، حتى في رعبه، لعالم الوعي.
ولا أعلم أيّهما حقيقيّ أكثر. لكن حلمي الأجمل والذي لا أريد أن أجد له تفسيراً،
هو أنني أكتب مقاطع من رواية، ثم أقرأ ما كتبته وهو جزء من رواية أجدها رائعة.
تسعدني الكلمات التي أراها وأستمع إلى موسيقاها في الحلم.
وقد أكتب في حلمي سيناريو فيلم طويل لا أحلم خلال صحوي بكتابة حبكة مثل حبكته.
وما أستغربه أيضاً هو أنني رغم جهلي الموسيقي، أكاديمياً،
أؤلف مقطوعات تحملني من منامي إلى ما يشبه الجنّة، خلال لحظات فقط، لحظات سريعة.
أحب أيضاً أن أكتب أحلامي. وكنت في مرحلة ما، أبقي إلى جانب وسادتي
دفتراً وقلماً صغيرين أخربش عليهما قبل أن أصحو تماماً، قبل أن
ترميني اليقظة في كابوس الواقع، كابوس "الحقائق" الفجّة والقبيحة.
(هذا النص هو إجابة عن سؤال يطارد أحلام الكتّاب طرحته عليّ واقترحت فكرته الأديبة الصديقة ديمة ونوس) [ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذه الصورة]