لا يترك الأخ الرئيس مرسى فرصة فى أى خطاب له، حتى لو كان عن «التوك توك» دون أن يجدد التزامه بـ«المعاهدات الدولية» التى ارتبطت بها مصر!! الخبرة علمت الناس أن المقصود بهذا الالتزام هو معاهدة واحدة وحيدة، وهى المعاهدة مع إسرائيل، أما غيرها فهو خارج الاختصاص أو خارج الاهتمام من جانب الرئيس وحزبه وجماعته. بدليل ما حدث حين رفضوا النص فى الدستور الجديد الباطل على الالتزام بالمعاهدات والمواثيق الدولية الخاصة بحقوق الإنسان.. باعتبارها رجسا من عمل الشيطان!! معاهدة واحدة وحيدة هى التى يجرى التأكيد على الالتزام بها كل يومين (!!) وهى المعاهدة مع إسرائيل.. كان الأمر -فى البداية- يبدو اعتذارا عن موقف قديم معارض للمعاهدة حين كان الإخوان فى المعارضة. ثم أصبح الأمر شرطا لنيل الدعم الأمريكى الذى أصبح السند الرئيسى للإخوان فى الحكم. لكن الأمر يكتسب خطورة شديدة الآن حين يترافق حديث الالتزام بالمعاهدة (التى كان تعديلها مطلبا وطنيا أساسيا!!) مع تنازلات جديدة، أو مع المساس بأمن مصر القومى ومصالحها الوطنية!! آخر مرة سمعنا فيها حديث «الالتزام بالمعاهدة» من الأخ الرئيس كان فى خطابه الأخير فى مجلس الشورى. وبالصدفة أو بغيرها، ترافق ذلك مع إشارتين مهمتين: الإشارة الأولى تمثلت فى تقرير صحيفة «واشنطن بوست» الأمريكية واسعة النفوذ، والذى تحدث عن لقاء جمع بين مساعد وزير الخارجية الأمريكى مايكل بوزنر، والدكتور عصام الحداد مساعد رئيس الجمهورية قبل نحو عام!! وذلك لتنظيم عملية التغيير الديمقراطى فى دول شمال إفريقيا تحت قيادة جماعة الإخوان المسلمين، ودعم أمريكا لهذه العملية!! أما الإشارة الثانية فقد جاءت مع تصريحات عصام العريان التى يدعو فيها اليهود المصريين الذين غادروا البلاد قبل عشرات السنين للعودة، ويعدهم بإعادة ممتلكاتهم، ويبرر ذلك بأن عودتهم لمصر يمكن أن تتيح مكانا لعودة الفلسطينيين لبلادهم!! ويغالط العريان التاريخ حين يقول إن هؤلاء اليهود قد طردهم جمال عبد الناصر!! ولو قرأ كتابا واحدا فى التاريخ، لعرف أنهم بدؤوا فى الرحيل منذ وعد بلفور، ثم تسارعت هجرتهم مع الحرب العالمية الثانية، ثم فى أثناء حرب 48 واغتصاب إسرائيل. ولو لم تكن المغالطة هى الأساس فى ما طرحه العريان، لما تجاهل دور «الموساد» والعصابات الصهيونية فى عمليات تهجير اليهود المصريين والعرب، ولما تجاهل الجرائم الكثيرة التى ارتكبتها إسرائيل لكى تضمن هذه الهجرة التى لم تؤيدها الدولة المصرية لا قبل ثورة يوليو ولا بعدها. ولم تساعد عليها إلا حماقة بعض الجماعات الفاشية التى مارست الإرهاب فى مصر فى هذه الفترة، وإن كانت -للحق- لم تفرق فى إرهابها بين المصريين جميعا!! ما يهمنا الآن هو أن نعرف هل يتكلم الدكتور العريان هنا باسم الجماعة، أم باسم الحزب، أم باسم الرئاسة وهو أحد رجالها ومستشاريها الكبار؟ وهل نحن أمام بالون اختبار جديد أم التزامات سرية لا نعلمها؟ وما المقصود بهذا العرض الذى يتحدث عن طرد لم يتم (بل كان هجرة شخصية) وعن ممتلكات يراد استعادتها (باعوها قبل رحيلهم) وهل سيدفع الدكتور عصام ثمن هذه الممتلكات التى قرر إعادتها (!!) من جيبه الخاص، أو من أموال الجماعة، أم أنه يريد أن يتمتع «الأصدقاء الأوفياء» الجدد فى إسرائيل ببعض فائض الميزانية الذى تحقق لنا فى هذا العهد السعيد، والذى تحل بركاته على المصريين جميعا؟! من حق أى واحد أو أى فصيل سياسى أن يغير مواقفه، حتى لو كان التغيير من «خيبر خيبر يا يهود»،.. إلى «يا واحشنى رد علىّ» أو حتى «إدينى بوسة»!! ولكن حين يكون الحديث عن تصفية القضية الفلسطينية على حساب مصر والعرب، وعن خريطة جديدة تضع المنطقة تحت الوصاية الأجنبية، وحين يرتبط الأمر بأمن مصر الوطنى واستقلالها الحقيقى.. فلا مجال للرد على هذا العبث إلا بالقول: العبوا بعيد من فضلكم، واحذروا غضب الأرض وثأر الشهداء.. وتذكروا جيدا.. «المتغطى بأمريكا» «عريان».. والمتغطى بإسرائيل «كنز استراتيجى».