كبرى مفاجآت الثورة: ليس أننا لم نتوقعها فقط،
بل إننا قلنا إنه لو حصل يعنى فى يوم من الأيام ثورة
بعد كام سنة ستكون ثورة الجياع، ثورة سكان العشوائيات،
ثورة يقودها ناس يحركهم كل ما اختبروه
من ظلم وفقر وقسوة وظروف معيشة رديئة.
من هنا جاءت المفارقة الكبرى فى هذه الثورة،
وهى أن من قلب جمرها ليس الشباب كما يشاع،
بل إنهم نخبة الشباب التى أثارت حماس الطبقة المتوسطة
وألهمتها النزول إلى الشارع. ليسوا الشباب،
ولكن نخبتهم التى يمكن اعتبارها صفوة الجيل،
المفاجأة أن هذه الصفوة لم تختبر يوما ما فقرا ولا ظلما
ولا ظروف معيشة قاسية، بل إنه لا يوجد بينهم تقريبا
شخص واحد عاطل (أصلا كان بينهم كثيرون لم يتخرجوا
فى كلياتهم ليختبروا مسألة البطالة)..
عمرك فكرت إشمعنى الناس دى بالذات
اللى خرجت؟ الإجابة عن هذا السؤال
ستكون تنويعات مختلفة على تيمة
«الثورة مستمرة».. هذه حقيقة.
هنا يظهر سؤال جديد.. العشوائيون والفقراء
الذين توقعنا ثورتهم ولم يفعلوها..
هل كانوا يشعرون بالسعادة فى ظل النظام السابق؟
النظام السابق كان يأكل عيشا على قفا هذه النوعية من الناس،
يأكل عيشا ويطعمهم فى الوقت نفسه، معظم نواب البرلمان
عن هذه المناطق من الحزب الوطنى، هذا بخلاف
أن النظام كان يقدم إليهم الخدمات
بفلسفة «قتل الطموح فى الحياة»،
فكانوا يتركونهم يصلون إلى حافة الموت جوعا
قبل أن يقدموا لهم الفتات فى صورة
مشاريع حرم الرئيس الخيرية
وكراتين تموين رمضان، تم حصر طموحهم فى هذه المنطقة،
من يتجاوز طموحه هذا الخط،
كان يتم تكليف رجال حبيب العادلى بترويضه.
طبيعتنا كمصريين تجعلنا نصبر على الفقر والجوع،
النقّاش الذى يتوقف عن ممارسة مهنته، طالما فى جيبه
عشرون جنيها يعرف جيدا أنه لن يجد عملا بسهولة
عند نفاد هذه الجنيهات، ومع ذلك يتحرك بعد نفادها بفترة،
الموضوع ليس له علاقة بالطموح، فمعظمنا «متونّس بالفقر»
ويرتبك إذا زادت الأموال التى فى حوزته على احتياجه،
أضف إلى ذلك أن الألاطة المحببة إلى النفس
تدخل فى تركيبتنا، حتى المجتهدون منا يبررون
اجتهادهم بالبحث عن متطلبات كثيرة يأتى فى نهايتها المال.
نَهَم رجال النظام السابق للمال والثروة يؤكد أنهم ليسوا منا،
هناك فجوة بينهم وبين مصر، حتى لما قاموا بثورة
سموها «ثورة التحديث» -على رأى عز-
كانت ثورة تشبههم.. هم الذين اخترعوا التجمعات السكنية المغلقة
ذات البوابات الضخمة ورجال الأمن..
هم الذين اخترعوا الستائر السوداء
التى كانت تغطى نوافذ سياراتهم وتحول بينهم وبين أن يعرفونا..
هم الذين ابتعدوا بالبحر حتى وصلوا إلى حدود ليبيا..
هم الذين كان ونسهم الأول المال..
هم الذين كانوا يبررون المال
الذى يجمعونه بإصلاح مصر اقتصاديا..
كانت وجهة نظرهم أن البلد لن ينصلح حاله
إلا إذا بدأ من الصفر.
إذن، كانوا الناس الذين يحكمون البلد
ينتحلون الجنسية المصرية،
ناس ليسوا مِنَّا، الفقراء والبسطاء كانوا يرونهم فاسدين،
سينتقم الله منهم يومًا ما، وحدهم النخبة
كانوا يعرفون أنه احتلال.. فكانت الثورة.
[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذه الصورة]