كما تحمل المناصب لأصحابها المكانة والنفوذ والقدرة على الاطلاع على كواليس الأحداث، تحمل لهم أيضاً القلق والصراعات الإنسانية التقليدية، والصدام الناتج عن اختلافات الرأى والمواقف، فهناك من يستطيع أن يوائم أموره ويحتوى التعقيدات، وآخرون تنهكهم الخلافات وتستغرقهم فتبتعد بهم عن الهدف الحقيقى لوجودهم. تلح عليك تلك الفكرة حينما تقرأ هذا الجزء من كتاب «شهادتى.. السياسة الخارجية المصرية 2004-2011» لوزير الخارجية الأخير فى عهد الرئيس السابق مبارك، الذى يتحدث فيه عن تضارب المهام بين وزارة الخارجية ووزارة الدولة للشئون الخارجية، وتعاظم دور وتأثير عمر سليمان رئيس جهاز المخابرات الأسبق ، والأهم عن رئيس كان قد فقد بحكم السن حسمه ويقظته واهتمامه بما يقوم به. أزمة.. اسمها «وزارة الشئون الخارجية» نبدأ بوزارة الدولة للشئون الخارجية، التى كانت تتولاها منذ العام 2001 وحتى 13 يوليو 2004 السيدة فايزة أبوالنجا، والتى ألغيت مع حكومة نظيف الأولى. يقول أبوالغيط: «مع وصولى إلى القاهرة قبل ظهر الأحد 11 يوليو 2004، استقبلنى السفير سامح شكرى، الذى كان أمرى قد استقر على تعيينه مديراً لمكتبى ومساعداً لوزير الخارجية، وسألته عما إذا كان هناك أى حديث عن بقاء وزيرة الدولة للشئون الخارجية السيدة المحترمة فايزة أبوالنجا فى منصبها، فأوضح أن لا معلومات لديه بشأنها، وقلت له: أفضل عدم بقاء هذا المنصب الذى أثبتت التجارب على مدار سنوات طويلة، وبخاصة أثناء فترة رئاسة الوزير أحمد ماهر للخارجية، أنه يؤدى إلى تعقيدات فى إدارة أعمال الدبلوماسية المصرية أو تنفيذ السياسة الخارجية لمهامها». [ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذه الصورة]أبو الغيط مع عمرو موسى في إحدى الزيارات الخارجيةيشرح أبوالغيط أسباب اعتراضه على منصب وزير الدولة للشئون الخارجية بالقول إنه عبر متابعته لدور وزراء دولة سابقين للشئون الخارجية، مثل مراد غالب وسميح أنور ومحمد رياض وحافظ إسماعيل ومحمد فائق، وكانوا يعملون مع وزراء خارجية مثل محمود رياض وإسماعيل فهمى - اكتشف أن العلاقة بين الطرفين كانت تسبب المشاكل، التى علم بها فى مقتبل حياته الدبلوماسية، وكذلك بعد ترقيه فى العمل مع وزراء الخارجية محمد إبراهيم كامل، كمال حسن على، عصمت عبدالمجيد، وأخيراً عمرو موسى، وكان معهم بطرس بطرس غالى وزيراً للدولة. مشيراً إلى حالة من الصراع الوزارى ولمن تكون الكلمة العليا، بشكل يجعلك تتعجب من إصرار مبارك على وجود تلك الوزارة واستمرارها، لدرجة أنه كان يحدث أن يتحدث وزير الخارجية أمام مجلس الوزراء برأى، ثم يتحدث وزير الدولة للشئون الخارجية برأى آخر باسم وزارة الخارجية أمام المجلس، وأحياناً فى نفس الجلسة! <BLOCKQUOTE>
«مبارك» كان يرفض «التغيير أو التجديد» عما اعتاد عليه.. حتى لو أدى إلى إثارة المشاكل
</BLOCKQUOTE>
يكرر السؤال ذاته.. لماذا كان الإصرار على استمرار تلك الوزارة؟ يجيب أبوالغيط عن تلك الجزئية
إجابة قد توحى ببعض من ملامح مبارك الإنسان، الذى يرفض التغيير أو التجديد فيما اعتاد عليه،
حتى لو ثبت عدم جدواه أو تسببه فى إثارة المشاكل، فقد بنى قناعته بأهمية منصب وزير الدولة
للشئون الخارجية بناءً على خبرته منذ تعيينه نائباً للرئيس فى عام 1975، حيث كان يوجد وزير للدولة
للشئون الخارجية لمساعدة وزير الخارجية، وهو ما استمر حتى العام 1992 عند مغادرة
الدكتور بطرس بطرس غالى القاهرة لتولى منصب السكرتير العام للأمم المتحدة. ويوضح الكتاب
محاولة مبارك البحث عن وزير دولة للشئون الخارجية فى فترة عمرو موسى، إلا أن الأخير
قاوم الفكرة وناور فى تنفيذها حتى خروجه من الوزارة. يحكى أبوالغيط واقعة قصها عليه وزير الخارجية
الراحل أحمد ماهر أثناء وجودهما فى نيويورك 2002، مفادها أنه قاوم فكرة مبارك بتعيين
وزير دولة للشئون الخارجية عام 2001، وحينما أصر مبارك طرح ماهر اسم أحمد أبوالغيط للمنصب،
مقترحاً عليه أن يكون اسم المنصب «وزير دولة بوزارة الخارجية»، وليس للشئون الخارجية،
بحيث لا يكون للمنصب وضعية بمجلس الوزراء، ولكن مبارك رفض الفكرتين،
وكلف فايزة أبوالنجا بالمنصب، متصوراً أن وجود سيدة فى هذه المسئولية سيخفف من الاحتكاك
بين الوزيرين، وبالفعل نجحت أبوالنجا فى امتصاص فورات أحمد ماهر، إلا أن حكمتها
لم تمنع الصدامات والمناورات التى عجلت بإلغاء المنصب مع وصول وزير جديد للخارجية.
عمر سليمان.. «دور حاسم» فى عملية اتخاذ القرار
كان هذا هو الحال مع منصب وزير الدولة للشئون الخارجية، الذى تم إلغاؤه مع تولى أبوالغيط وزارة الخارجية،
ولكنه لم يكن كذلك مع رئيس جهاز المخابرات العامة، اللواء عمر سليمان، الذى بات ذا تأثير واضح
فى عملية اتخاذ القرار فى مصر منذ عام 1992، وتزايد تأثيره بعد فشل محاولة اغتيال مبارك
فى أديس أبابا فى عام 1995. وهو ما يعلق عليه أبوالغيط بقوله: «كنت قد رصدت شخصياً
تعاظم هذا الدور فى أبريل 2001، عند مصاحبة عمر سليمان للرئيس فى زيارة إلى واشنطن،
وقيامه بالحضور مبكراً عن موعد وصول الرئيس، وقيامه بإجراء اتصالات مع كل الأجهزة الأمريكية
بما فيها وزير الخارجية كولن باول، رغم وجود عمرو موسى فى الوفد».
يأخذك الكتاب فى استعراض لدور المخابرات العامة المصرية، وتأثيرها فى السياسة الخارجية المصرية
منذ إنشائها عام 1957، ضارباً الأمثلة التى تعبر عن عمق هذا الدور. كان اللواء عمر سليمان وبشخصه،
لديه نفوذ كبير لدى كل أجهزة الدولة التى لها اتصال من قريب أو بعيد بعمليات السياسة الخارجية..
وهى أجهزة حكومية كثيرة، كما كان لدى المخابرات العامة وضباطها وأجهزتها الثقة والاقتناع
بأنها يجب أن تسأل أو أن تدلى برأيها فى الكثير من القضايا التى ليس بالضرورة لها بها معرفة وثيقة،
الأمر الذى كان يهدد العلاقة بين الخارجية والمخابرات فى عملهما فى إدارة السياسة الخارجية.
وهو ما يقول عنه أبوالغيط: «كثيرا ما لجأت للواء عمر سليمان مشيراً إلى صعوبات لنا هنا وهناك،
وكانت ردود فعله دائماً إيجابية وحاسمة فى معالجة نقاط الخلاف والعقبات التى كانت تهدد سلاسة العمليات.
وأصبح الجهازان فى الفترة التالية قادرين على العمل البناء معاًً لإقناع أى أجهزة رئيسية أخرى،
مثل الدفاع أو الداخلية، لمسايرة وتأييد نظرتيهما إلى مشكلات محددة. ويجب أن أعترف
أنه كان هناك صعوبات، وكانت أدوات السياسة الخارجية المصرية كثيراً ما تتنازع مع بعضها البعض،
ما أدى إلى إهدار فرص لمصر، وإضاعة جهود كان يمكنها أن تثمر مزايا للسياسة الخارجية
والظهور المصرى.. فالخشية والحذر وعلاقات القوى الداخلية فى مصر كانت تفرض ثقلها وتشل من قرارها».
يتوقف وزير خارجية مصر الأسبق عن مواصلة تحليله لتأثير جهاز المخابرات العامة،
ليأخذك فى حديث عن اللواء عمر سليمان وعلاقته بمبارك، فيشير إلى أنه عمل بجوار الرئيس
منذ تقلده منصب مدير المخابرات الحربية بالقوات المسلحة فى عام 1988، ثم أصبح على اتصال وثيق بالرئيس
بدءاً من مايو عام 1991 عندما كلفه برئاسة المخابرات العامة المصرية، ثم تصاعد نفوذه بهدوء وحكمة
وحرص، فى الوقت الذى زاد فيه -على حسب تعبير الوزير الأسبق أحمد أبوالغيط- نفوذ المخابرات العامة
التقليدى فى اتجاهات السودان، ليبيا، إسرائيل، الفلسطينيين، القرن الأفريقى، الأمر الذى لا يرده أبوالغيط
لتزايد المسئوليات على عاتق الجهاز وحسب، ولكنه يرده أيضاً لطبيعة شخصية اللواء عمر سليمان ذاته،
فيقول: «مع عودتى وتحملى لمسئوليات وزير الخارجية فى عام 2004،
تبينت أن تأثير الجهاز لا يرجع لأوضاع مؤسسية فقط، ولكنه يعود أساساً لشخصية اللواء عمر سليمان
ودقة عمله وثقة الرئيس فى تقديراته الشخصية وحيويته وعمله الدءوب كل ساعات الليل والنهار.
كما لاحظت أيضاً ظاهرة جديدة لم تكن مطبقة فى فترة عملى مع عصمت عبدالمجيد أو عمرو موسى،
أنه أصبح يلتقى وزراء الخارجية وكبار المسئولين الزائرين للقاهرة بشكل مستمر منذ العام 2001،
وأصبحت وجهات نظره وتأثيره كبيرين فعلاً فى حقل السياسة الخارجية، خاصة فى المسألة الفلسطينية،
حيث أدى خوض المخابرات المركزية الأمريكية وتكليفها بعملية تنظيم العلاقة بين العناصر الأمنية
للسلطة الفلسطينية وإسرائيل، فور نشوب الانتفاضة الفلسطينية الثانية، إلى دور كبير مساعد أيضاً
للمخابرات العامة المصرية، ومن ثم تنامى علاقة عمر سليمان مع (تنيت)، رئيس المخابرات المركزية،
وكل من خلفوه، وأدى ذلك إلى تعزيز إضافى لوضعية عمر سليمان شخصياً مع الأمريكيين،
وامتدادها بالتالى إلى وزراء الخارجية الأمريكيين الذين يهمهم ملف القضية الفلسطينية».
<BLOCKQUOTE>
«سليمان» كان لديه «نفوذ كبير» لدى كل أجهزة الدولة التى لها اتصال بعملية السياسة الخارجية
</BLOCKQUOTE>
تكشف الوقائع التى يحكيها أحمد أبوالغيط فى كتابه «شهادتى» عن أهمية عمر سليمان
وتأثيره خارج حدود الوطن، وهو ما يتضح من وقائع سفره معه للخارج، وكيف اكتشف
خلال تلك الرحلات صدق الرجل وخبرته الكبيرة وتنظيم فكره وحديثه بشكل يثير الإعجاب،
على حد وصف أبوالغيط. ورغم ذلك لا يخفى أبوالغيط ما كان يستشعره من حرج أثناء سفره
مع عمر سليمان فى مهام خارجية، والسبب هو إصرار سليمان على أن يكون تالياً لأبوالغيط
وفقا لما يقتضيه البروتوكول، رغم أنه كان يكبر أبوالغيط بثمانية أعوام، كما أنه كان مسئولاً رئيسياً
فى مصر ذا تأثير واضح فى عملية اتخاذ القرار. وهو ما يعلق عليه أبوالغيط بالقول:
«كان سليمان يرضى بوضعه تالياً.. وهو الأمر الذى لاحظته حتى أثناء سفرياتنا مع الرئيس مبارك،
وكثيراً ما تناولت الموضوع بالحديث مع عمر سليمان، وعبرت له عن استغرابى أن الرئيس مبارك
لم يقم بتصعيده أو إعطائه لقب أو درجة نائب رئيس وزراء، لكى يأتى فى أقدمية متقدمة
عن الكثير من وزراء الحكومة الذين كانوا يسبقونه فى سلم أولويات البروتوكول وتشكيل الوفود
المصرية المصاحبة للرئيس. وللحق كان الرجل يصمت ويعمل بدوافع وطنية غير شخصية
رغم قوة نفوذه وتأثيره ولجوء الكثيرين إليه للنصيحة أو الشكوى».
وهكذا توطدت العلاقة بين وزير الخارجية ورئيس جهاز المخابرات، يدرك كل منهما
حجم دور الآخر وأهميته، وهو أمر يتضح من عبارات أبوالغيط فى كتابه، حين يقول:
«قررت أن أعمل على كسب تعاونه وجهاز المخابرات العامة، ولم يخيب ظنى، بل أصبح سليمان
كتاباً مفتوحاً يتبادل معى الآراء والأفكار طوال الوقت، حتى وصل الأمر إلى أن اليوم
الذى لا نجرى فيه اتصالاً تليفونياً معاً، فإنه ينتهز أول فرصة للشكوى من انقطاع التواصل
ويستغرب الغياب. وسارت هذه العلاقة الحميدة حتى نهاية حقبة الرئيس مبارك فى عام 2011».
يواصل أبوالغيط حديثه عن عمر سليمان بالقول إن الثقة باتت أساس التعامل بينهما،
بل وصلت إلى مدى بعيد من تبادل الرأى، إلى حد الحديث فى قضايا شائكة مثل قضية التوريث
وفرص جمال مبارك فى حكم مصر وموقف مبارك من تلك المسألة. وهو ما يعبر عنه بالقول:
«كنا نرفض هذا الاتجاه فى التوريث ونثق فى أن قيادة القوات المسلحة المصرية، والجيش،
لن يقبلا بهذا الوضع. وقال عمر سليمان: إن التفكير فى عام 2003 وأيضاً فى عام 2004
كان فى تغيير أحمد ماهر -وزير الخارجية الأسبق- ولكن بوزير أصغر كثيراً فى السن
لكى يستطيع التفاهم مع جمال مبارك. وأوحى سليمان أن الاسم المطروح وقتها كان سفيرنا
فى واشنطن، إلا أن (رؤية الرئيس سادت وتم اختيارك)، أى اختيارى لتقدم سنى وخبرتى».
الرئاسة.. تقدم سن «مبارك» سلم «عزمى» مفتاح القصر
لم تحتل علاقة أبوالغيط برئيس الحكومة دكتور أحمد نظيف مساحة كبيرة فى الكتاب،
مفسراً ذلك بنظرة وزراء الخارجية لرؤساء الحكومات، وكيف كانوا يؤكدون للجميع
أن سلسلة القيادة فى مجال السياسة الخارجية تنتهى عند رئيس الجمهورية،
ولا شأن لرؤساء الحكومات بها، إلا إذا ما كان لها تأثير ما مباشر على حدث أو اهتمام بموضوع
يدخل فى اختصاصات رئيس الحكومة. وهكذا نصل إلى نقطة الرئاسة وعلاقة وزير الخارجية بها،
لتكون نموذجاً يفسر لنا كيف كان يتعامل الرئيس السابق مع وزرائه، وبالأخص كيف كان يتعامل
مع ملفات السياسة الخارجية. من تلك النقطة يأخذك كتاب أبوالغيط ليروى لك كيف كان تعامله مع مبارك
وبقية كبار المسئولين فى رئاسة الجمهورية، كرئيس الديوان. البداية بالطبع من الرئيس
الذى يقول أبوالغيط إنه تابعه عن قرب طيلة سنوات خدمته مع وزراء خارجية سابقين عليه،
عبر الاتصالات التليفونية التى كانوا يجرونها معه فى وجود أبوالغيط، فتولد لديه الانطباع أن مبارك
رجل صارم فى كلماته وتعليماته، حتى إن كلاً من عصمت عبدالمجيد
وعمرو موسى كانا يتلقيان تعليماته واتصالاته بالكثير من التيقظ.
ولكن مفاجأة كانت فى انتظار وزير الخارجية أحمد أبوالغيط عند توليه مهام منصبه فى العام 2004،
حيث لم يلتقِ ذلك الرئيس الحاسم متقد الذهن الذى تابعه عبر سنوات عمله الدبلوماسى بوزارة الخارجية،
ولكنه التقى رئيساً تخلى عنه شبابه وترك الزمن آثاره عليه. وهو ما يقول عنه:
«تفاجأت فى بداية عملى معه حين ظهر شخصاً مختلفاً متقدماً فى السن، أخذ حزمه وتركيزه يتناقصان
مع مرور الأعوام التالية، وقد أتاح ذلك الأمر لى بعض حرية الحركة، إلا أن السلطات الرئاسية
والأسلوب المركزى فى السيطرة بقيا معنا حتى النهاية. ومع مرور السنوات، وتعرضنا لأزمات كثيرة،
سواء بداخل مصر أو بسياستنا الخارجية، توصلت تدريجياً إلى نتيجة مفادها أن الرئيس
ومع تقدم سنه لم يعد يستطيع السيطرة على تفاصيل القضايا المطروحة».
هكذا إذن.. هَرِمَ الرئيس، ولم يدرك أن للزمن قواعد حاسمة لا يتهاون فى تطبيقها،
وأنه لن يستطيع أن يأخذ من الزمن أكثر مما قُدر له، ولكنه طمع فى البقاء
وزاد طمعه ففكر فى ترك الأمر للوريث. ولكن كان للقدر كلمة أخيرة.
ومع تراجع صحة الرئيس واهتمامه، كان دور زكريا عزمى «رئيس الديوان» يتعاظم
ويتسع فى الرئاسة، حتى بات عزمى مفتاح القصر. وهو ما يعلق عليه أبوالغيط بالقول:
«كانت رؤيتى تتمثل فى الحفاظ على علاقة عمل إيجابى واحترام متبادل معه، حفاظاً على مصالحنا
وعلاقاتنا مع الدول الأجنبية، سواء عند زيارة كبار مسئوليها ورغباتهم فى اللقاء مع الرئيس
وضرورة توفير هذه اللقاءات لهم، أو أثناء زيارات الرئيس للدول الأجنبية وصعوبات الاتفاق
على برامج هذه الزيارات. كان الرئيس يتقدم مثلما سبق القول فى السن، وأدى ذلك وبشكل متزايد
إلى رغبة الديوان فى التخفيف عليه وتخفيض أعداد المقابلات التى تتم يومياً أو أسبوعياً معه،
وكثيراً ما سبب ذلك لى المتاعب مع رئيس الديوان، إلا أن تدخلى معه كثيراً ما أدى إلى تليينه
وتسيير أعمالى، وبذا الحفاظ على علاقات طيبة مع الدول والأشخاص. ومع ذلك كان هناك
بعض السقطات التى كان لها أثرها فى تعقيد علاقات دولية ما كان ينبغى الإضرار بها،
إلا أن فكرة «الحماية» وتخفيف الالتزامات والإحساس بتزايد ضعف قدرات التركيز اليومى
، كانت لها الأولوية على كل اعتبار آخر».
يعود بك أبوالغيط فى كتابه ليوم حلفه اليمين ولقائه الرئيس السابق وجها لوجه، كان ذلك يوم الأربعاء
14 يوليو 2004، يقول: «ذهبت إلى رئاسة الجمهورية فى قصر الاتحادية، ووقف كل أعضاء الحكومة الجديدة
فى صف واحد يتقدمهم رئيس مجلس الوزراء، ثم الوزراء بأقدمياتهم، واقتربت فى دورى من الرئيس
وقمت بحلف اليمين ومصافحته باليد، رأيت وجهاً شاحباً تعكس ملامحه الملل. ثم عقد اجتماعاً
لكل الحكومة تحدث خلاله بإيجاز شديد، وأعطى بعض التوجيهات العامة، وأنهى الاجتماع سريعاً.
توقعت أن يطلبنى للقائه، خاصة أن اهتمامه بالسياسة الخارجية وإدارته المباشرة لها،
سواء من خلال وزير الخارجية أو رئيس المخابرات وأجهزة الأمن القومى الأخرى، الدفاع والداخلية،
تمثل أولوية متقدمة له، إلا أنه لم يفعل، وذلك ما أثار دهشتى، إذ كيف يبدأ عملى دون الحصول على توجيه
أو رؤية الرئيس لما يرغب فى تحقيقه؟ ما الأولويات التى تشغله فى هذه المرحلة
مع تشكيل حكومة جديدة؟ ينبغى أن يكون لها أهداف محددة».
<BLOCKQUOTE>
ضعف تركيز «مبارك» أتاح لى بعض «حرية الحركة».. ولم يعد يستطيع السيطرة على تفاصيل القضايا
</BLOCKQUOTE>
كانت أولى مهام أبوالغيط بوزارة الخارجية الإعداد لاجتماع وزارى لدول جوار العراق ومصر، كان سيعقد بالقاهرة بعدها بأيام، وما أن انتهى من قراءة تقرير خاص به حتى فوجئ باتصال هاتفى من الرئاسة يبلغه رغبة الرئيس فى الحديث معه. وهو ما يقول عنه: «جاء صوت الرئيس هادئاً مجاملاً ولكن فى غاية الضعف، واستغربت بشدة أن تكون العملية الجراحية التى أجراها فى العمود الفقرى قد أثرت عليه بهذا الشكل. قال إنه يعلم أن هناك اجتماعاً سيعقد بالقاهرة خلال أيام وأنه يأمل أن أهتم بالأمر. كان حديثه قصيراً للغاية، فأعطيته إيجازاً لما هو جارٍ وما ننوى أن نفعله، واستشعرت أنه اطمأن، وأضاف أنه سوف يلتقى بى قريباً لكى يناقش موضوعات السياسة الخارجية، وأبلغته أننى جاهز لأى تعليمات. ومرت أسابيع ثم شهور ولم يحدث مثل هذا اللقاء». [ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذه الصورة]حسنى مبارك فقد الرئيس اهتمامه بالسياسة الخارجية وقضاياها وشخوصها، مل من تكرار أداء الدور الذى كان يؤديه طيلة ربع قرن من الزمان، ورغم ذلك ظل متشبثاً بالحكم وسلطانه بل وطامحاً فى توريثه، فلم يعد يهتم بصعود قوى مهمة بقدرات متنامية كالهند، أو بإمكانيات اقتصادية هادرة كالصين والبرازيل، لم يعد يلتفت إلى علاقات مصر مع تلك الدول. وهو ما يقول عنه أبوالغيط: «كان الرئيس أسيراً لعلاقات مع شخصيات رئيسية، فى مقدمتها الرؤساء الفرنسيون كلهم، والمستشارون الألمان، وكبار مسئولى إيطاليا. وكان الاهتمام الدولى بمصر كبيراً، وكانت هناك رغبة محمومة من الجميع للقدوم والزيارة والتحدث والاطلاع، وكان هناك رصيد كبير للغاية بسبب طول فترة الحكم، ومع ذلك كان هناك أيضاً الإحساس بالملل.. وأنه «سبق لنا أن رأينا كل هؤلاء واطلعنا على كل الأمور»! وأدى ذلك الوضع إلى خلق ظروف غير مواتية.. ومع ذلك صممت أن أقوم بدورى ومسئولياتى طبقاً لرؤيتى وتحليلى للتطورات الدولية وتأثيراتها على مصر والمنطقة العربية، ودور القوى الإقليمية فيه، سواء إيران أو تركيا وغيرهما».