قصة : سعيد والطائرة
سعيد والطائرةمنذ ان ولد سعيد عباس في احد مخيمات جنوب لبنان، وهو يسمع قصصا كثيرة عن الطائرات الاسرائيلة .... كانت والدته، وفي كل مناسبة تذكر قصتها مع والدها ، يحملها على كتفه ويمشي بها مع اخوتها وامها وكل الجيران ، الى مكان بعيد .....
كانت تظن في بادئ الامر انهم ذاهبون في رحلة جميلة الى الجبال والوديان والسهول والبراري... ولكنها لما طلبت الماء لم تجده.... ولما طلبت الاكل لم تجده.... ولما تعب والدها من حملها ،انزلها عن كتفه ، وطلب منها المشي ...فمشت.... ومشت ... ورفعت يديها مستعطفة باكية ان يحملها وان يسقيها وان يطعمها فلم يلب طلبها ....
في ذلك النهار القاسي وبينما كان الجميع يجرون ارجلهم جرا للوصول الى اي مدينة او قرية ، اذ بالطائرات تطير فوق رؤوسهم ... وقد خافت الطفلة الصغيرة في بادئ الامر من صوت الطائرات وازيزها ، واقبلت على فخذ ابيها تخبئ راسها وترفع يديها بالحاح ان يحملها ... فحملها على كتفه ، فاطمانت... ونظرت الى الطائرات فظنت انها قد حضرت لتحمله الى بيتها ، ولتحضر لها الماء والطعام... ففرحت... ولكنها فوجئت بصراخ الناس يعلو من كل جانب ، وبالقنابل ترميها الطائرات على رؤوس المشاة....
سعيد والطائرةفي ذلك النهار الحزين ، تبعثر الرجال والنساء والاطفال .. وارتمت على الارض .. نظرت تبحث عن والدها وعن والدتها واخوتها فوجدت الناس يركضون في كل اتجاه ورات دماء والدها تختلط بالتراب...جلست تبكي... وتبكي... فهي خائفة...تحب العودة الى بيتها وتكره الطائرات...
في كل مناسبة كانت والدة سعيد عباس تحكي لابنائها عن ذكرياتها المؤلمة في ذلك النهار قبل ثلالثين عاما ، وفي كل مرة كان سعيد يجلس على فخذها ويتخيل امه وقد حملها ابوها على كتفه ، واخذ يركض بها والطائرات الاسرائيليه تلاحقه ، وهو يركض ،وهي تلاحقه ، فيقع على الارض وترتمي ابنته عن كتفه ، تنادي على ابيها فلايجيبها ، وتبحث عن اهلها فلا تجدهم.......
سعيد والطائرةومنذ كان سعيد صغيرا وهو يحلم .. ولما كبر كبرت احلامه معه... ولما اشتد عوده حمل صارخ سام(7) على كتفه تماما كما حمل جده والدته وانطلق يسير وهو يحمله ، ويتدرب على اطلاقه مئات المرات... فبهذا الصاروخ سيحقق حلمه...
كانت الطائرات الاسرائيلية تحضر الى سماء المخيم حيث يسكن سعيد عباس دائما .....
وكان دائما يحاول اصطيادها بصاروخه ، ولكنه كان دائما يفشل ، ومرت خمس سنوات واصبح عمره تسعة عشر عاما وهو لايزال يحلم.....
وفي ذلك النهار الجميل في الثامن عشر من شهر تشرين الاول لعام 1986 اقبلت اسراب الطائرات الاسرائيلية تحمل الموت والدمار لابناء المخيم فتامل سعيد خيرا ....
حمل سعيد الصاروخ وانطلق الى الخارج .. وفي لحظات كأنها الدهر كله .. كأنها العمر كله .. كأنها الفرح كله...اشتعلت النيران بالطائرة الاسرائيلية في الجو... اصيبت طائرة ((فانتوم)) كبيرة بصاروخ صغير فانفجرت امام عيني سعيد ... وكالمجنون اخذ ينادي على امه... انظري ... لقد تحقق الحلم.....
ظل سعيد عباس يحمل صاروخه على كتفه.... لم يرمه ... لم يسقط منه ... ولم يركض في اي اتجاه ظل واقفا ينظرالى الطائرة المحترقة تهوي حطاما الى الارض ، بينما كانت والدته تضع يدها على كتفه الاخرى ، بكل اعتزاز.