لا تسأل: ما الذى يجرى؟ فلا أحد يعلم، ولا أحد يتوقع ولا أحد يرى ولا أحد يسمع
ولا أحد يتكلم، ولا أحد يعرف ماذا يخفى لنا القدر من عبث فى عبث فى عبث،
فقد انتحرت النظريات السياسية وانفجر علم التحليل السياسى أو فى رواية أخرى "مات الكلام".
فأنت حينما شاهدت ذلك المشهد المفجع لذلك الرجل الذى تسحله الشرطة
وتجبره على أن يدخل فى المدرعة ثم تخرجه منها مرة ثانية وهو عارى الجسد
ويقوم أحد الجنود أو الضباط بضربه أمام الملايين لم تكن أنت،
والتليفزيون حينما أذاع هذا المشهد لم يكن التليفزيون،
والمتحدثون باسم الإخوان المسلمين الذين أشادوا باعتذار الشرطة لم يكونوا متحدثين،
والإخوان أصلا غير موجودين، ولا يوجد شىء اسمه قصر الاتحادية،
ثم أن زوجة حمادة المسحول قالت إنه بخير، وحمادة نفسه قبلها فى خدها أمام التليفزيون
فى مشهد أشبه بمشاهد برنامج كلام من دهب، حينما كان طارق علام
يرن جرس المتسابق سعيد الحظ ويلبى له مطلبه المتواضع بثلاجة ليذاكر فيها
أبناؤه الصغار، أو غسالة يحل عليها الكلمات المتقاطعة، أو كمبيوتر يبحث فيه
مع الشرطة عن سر السحل بلا سحل والتعرية بلا تعرية، غير أنه من دواعى الأسف
أن طارق علام اختفى كدليل قطعى على أن "الدنيا ربيع والجو بديع"
والرجل المسحول يشاهده الملايين والداخلية تعريه وتسحله ثم ينكر..
والداخلية تعتذر عن سحله ثم تنفى السحل من أساسه.. والرئاسة تعتذر
عن المشهد ثم تزايد على المعارضة .. وعبد الباسط حمودة سيد الموقف..
وأنا مش عارفنى أنا تهت منى أنا مش أنا، هى النشيد القومى لجمهوريتنا الجديدة
التى اشتريناها بدمائنا ونسينا أن نأخذ الضمان من الوكيل.
إذا صدقنا أن حمادة المسحول لم يسحل فطبيعى أن ست البنات كانت لابسة عباية بكباسين
وأن خالد سعيد بتاع بانجو والإخوان جماعة ماسونية ومبارك بطل الحرب والسلام
وإحنا آسفين يا شفيق، وليس ببعيد أيضا أن نصدق أننا وقعنا فى المؤامرة،
وأن مبارك حينما فشل فى أنه يهزمنا أتى بالإخوان ليجننونا ويهبلوننا ..
وساعتها فقط سنتأكد من أننا حينما نزلنا إلى الشوارع فى أيام الثورة الأولى
لننظم المرور لم نكن نفعل هذا بدافع وطنى .. وسنتأكد من أننا كنا نعانى وقتها
من بداية أعراض الجنان، وبناء عليه فإنى أطالب بتعيين حمادة المسحول متحدثا رسميا
باسم شهداء الثورة وأتوقع أن يكون أول تصريح له هو نفى حدوث ثورة من الأساس
وشكر وزارة الداخلية على حسن تعاونها مع المتظاهرين وإرسال رسالة شكر
للسيد الرئيس محمد حسنى مبارك على دوره العظيم فى الطلعة الجوية.
لا محل هنا بالطبع لما قالته قناة الحافظ على
أحد شيوخها الأفاضل الذى أفاض واستفاض
فى إجرام "عم حمادة" وقال إنه كان من مجموعة "بلاك بلوك" وأنه ضرب
عُشرمئة رجل شرطة بالخرطوش وأنه رجل عصامى عرى نفسه بنفسه،
ومن غير المعقول أيضا أن تسأل الداخلية لماذا اعتذرت ولماذا أنكرت، فلا وجود لشىء
اسمه الداخلية من الأساس، وهنا يجدر بنا أن نشكر السيد منصور العيسوى
وزير الداخلية الأسبق الذى قال فى أحداث محمد محمود إن الداخلية مفيهاش خرطوش،
لأن السيد الأستاذ اللواء الدكتور محمد إبراهيم أكد لنا بما لا يدع
مجالا للشك أن الداخلية مفيهاش داخلية.
لا مجال هنا أيضا لرفع مطالب محددة بأى شىء، فمن الواضح أننا نعيش فى "عنبر العقلاء"
وليس ببعيد أن يخرج علينا السياسيون والحكام لينكشوا شعرهم ويقولون: "كتاكيت"
أو ليلعب معنا دور بلحه فى الدنيا على جناح يمامة ويهزموننا فى دور شطرنج متخيل،
وهنا يتجلى لنا عبثية ثورتنا السلمية المسلحة الإسلامية العلمانية الشيوعية
الرأسمالية المشتركة، لأنها بتحديد هويتها أفقدت نفسها الكثير من الاتساق المنجلى
فى أعماق الزمن الراسخ، وكأن ثورة لم تكن ويا فرحة ما تمت إلا على ابن الحلال.
ما يحدث الآن لا يمثل أى خطر على نظام حكم محمد مرسى، ولا المعارضة ولا الثورة
ولا الفلول ولا الثورة المضادة، ولا الثورة المضادة للثورة المضادة،
ولا حتى على النظام الاقتصادى والمالى ولا على الاستقرار العقلى لمحاور الشر
و26 يوليو وصفط اللبن، فما يحدث لا يترك أى احتمال محتمل أو غير محتمل
إلا وحمله ما لا يحتمل احتماله، ولا عجب إن وجدت شبابا الآن يطلقون النار
على المارة فى الشوارع ثم يدعون أنهم لم يكونوا موجودين، أو أن أحد الشباب
المتحمسين يقتحم بالفعل القصر الجمهورى وإن فشل فى الاقتحام يقول:
أصلا أنا مش أنا، فالإخوان يقولون على أنفسهم "على فكرة أنا مش إخوان"
والمعارضة ترى عنف السلطة وتوقع على وثيقة نبذ العنف، والخوف كل الخوف
على العقل البشرى الذى إن استوعب هذا العبث انفجر وإن لم يستوعبه اختل،
وإن استوعبه ولم يستوعبه صفق وقال جووووون، لأن الدورى اشتغل والأهلى
كسب المحلة، وبورسعيد عملت حادثة واصطدمت بقناة السويس فأسفر الحادث
عن وقوع ضحايا من فوق ظهر سيارة النقل رقم 555
التى عثروا عليها بعد الحلاقة مباشرة...نعيماً.
[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذا الرابط]