قالت البنت لأخيها: هل قرأت مسودة الدستور،
قال أخوها: لا طبعا،
قالت: لا طبعا؟! لماذا لا؟ ولماذا طبعا؟
قال: «لا»، لأننى لا أثق بما يجرى هكذا أصلا، و«طبعا»، لأنه ليس عندى وقت،
قالت: اسم الله عليك وعلى وقتك الغالى، إذن أنت ستمتنع عن التصويت،
قال: إلا هذا، قالت: إذن كيف ستساهم فى الاستفتاء وأنت مواطن صالح فلقتنى بحديثك عن الديمقراطية،
وضرورة بذل الجهد والوقت للإحاطة بكل ما نساهم فى ترجيحه،
قال: وما زلت أصر على ذلك، لكن لا يقدر على القدرة إلا الله،
قالت: قدرة ماذا، ويقدر مَنْ، هل أنت حاولت وفشلت؟ أنت ترفض الإطلاع على المسودة من أصله
فى صورتها النهائية مع سبق الإصرار والترصد،
قال: مثلى مثل الشعب المصرى، قالت: تعنى الأميين منهم،
قال: كلنا أميون والحمد لله، قالت: لكن هذا الشعب العريق أثبت درجة رائعة من الوعى،
ولنتذكر نسبة المشاركة بمجرد أن أتيحت له الفرصة،
قال: فرحة ما تمّت، تحولت أوراق الاقتراع إلى صكوك للجنّة، كما تحول صندوق الانتخاب إلى صندوق الدنيا
«وبختك يا أبو بخيت»، ثم دخلنا سيرك اللجنة التأسيسية بمسابقات فوازير الشطارة،
قالت: تعنى ماذا؟ قال: ألم تلاحظى كيف تداخلت مواد الدستور بعضها فى بعض وهم يدسون السم فى العسل،
قالت: يدسون ماذا؟ إذن أنت قرأت المسودة! قال: والمصحف أبدا، لكننى أتابع السيرك المقام من بعيد لبعيد،
حتى عرفت حِيَل السَّحَرة وهى ترقِّص الحبال كأنها حيّات تسعى، ولا توجد حية سيدنا موسى لتلقفها الواحدة تلو الأخرى،
قالت: لست فاهمة، ربما كوَّنتَ رأيك من المقتطفات والجدال الذى ينشر فى الصحف،
قال: أنا لم أكوِّن رأيا بعد، فأنا أوافق على بعض المواد وأعترض على مواد أخرى، حتى أهم بتمزيق الصحيفة،
قالت: وأنا كذلك، إذن كيف يطلبون منا أن نستفتى بهذا الشكل؟ المفروض أن نستفتى على مادة مادة،
قال: اسم الله، ونظل من غير دستور حتى الثورة القادمة، دعينا نعمل مثل كل الناس،
قالت: اعمل معروفا أنا لست ناقصة، وماذا سيفعل كل الناس؟
قال: الذين سيقولون «نعم» هم الذين سينتخبون الإسلام، والذين سيقولون «لا» سوف يقولون «لا» للإخوان، أما الدستور فهو ليس له دعوة،
قالت: أنت تسخر وأنا أتكلم جدا، قال: أنت التى تحتاجين إلى اختبار ذكاء حتى تعرفى أنك تسألين أسئلة بلهاء،
قالت: أنت الذى تخلط الكلام، أصبح عقلك لا يجمّع مثل يونس شلبى، تقول كلاما غير مترابط،
وفى نفس الوقت تتصور أنك سيد الحكماء، طيب، وأبى؟ هل عندك فكرة هل سيقول نعم أم لا؟
قال: اسأليه أنتِ حتى تعرفى تأثير الوراثة فى حالتى وحالتك وهل هو التخلف العقلى أم التفكك الفكرى،
قالت: وراثة ماذا يا غبى وأنا أذكى من مسز تاتشر والست ميركل معا؟
■ ■ ■ ■
قالت البنت لأبيها: هل ستشترك فى الاستفتاء على الدستور يا أبى، قال: طبعا،
قالت: وهل ستقول نعم أم لا، قال: سوف أنتخب الإخوان طبعا، قالت: تنتخب الإخوان ماذا يا أبى؟!
هذه ليست انتخابات، هذا استفتاء على الدستور الذى سيحكمنا عشرات السنين، قال: إذن سوف أنتخب الإسلام،
قالت: يا أبى يا حبيبى هذا ليس انتخابا لمجلس شعب جديد والإسلام ليس مرشحا للرئاسة،
قال: اعملى معروفا يا حبيبتى أنا أقول «نعم» من قبل أن تولدى، أقول نعم فى أى انتخابات حتى يثبت العكس،
قالت: وهل لم يثبت لك العكس بالنسبة إلى من حكمونا حتى الآن بعد أن انتخبتهم؟ أم أنك تنازلت عن حقك فى التراجع؟
أو ربما لا تريد أن ترى العكس حتى الآن! قال: عكس ماذا؟
قالت: عكس الإسلام الحقيقى، وعكس ما وعدوا به، وعكس ما تصوروا أنهم يقدرون عليه،
قال: اعملى معروفا، انتبهى لدروسك، ماذا تريدين منى؟ قالت: لا شىء
قال: هل تريديننى أن أقول «لا» حتى يفصلونى من عملى؟ ومن أين تأكلون؟ وكيف تكملين تعليمك أنت وأخوك؟
أقول «لا» فلا يتبقى لى لا دنيا ولا آخرة، قالت: ما هذا يا أبى! أنا آسفة يا أبى، أنا آسفة، قال: آسفة على ماذا؟
قالت: على البلد، قال: يبدو أنى أنا الذى ينبغى أن أتأسف على شىء لا أعرفه، عموما: أنا آسف من باب الاحتياط،
قالت (وهى تميل نحو يده): حقك علىّ يا أبى..
قال -وهو ينزع يده من شفيتها-: ماذا تفعلين يا حبيبتى؟ ماذا تفعلين؟ ربنا ينجَّحك ويرزقك بابن الحلال الذى يستأهلك.
*****
قال الأخ لأخته: وهل سألتِ أمى؟ قالت الأخت: لا، فأنا أعرف رأيها، قال: وما رأيها؟
قالت: هى سوف تقول «لا» بكل وضوح، وهى تصر أنه لو وجدت مادة واحدة لا توافق عليها فهذا يكفى لرفض الدستور كله،
قال: ولكن الدستور سوف يمر كما هو كما تعرفين ولو كان صوت أمنا بألف صوت، ثم هل هى عندها بديل؟
قالت: نعم، قال: فما هذا البديل؟ الحقينى به،
قالت: تقول دستور 1923 أو حتى دستور 1971، وهى تصر أنه لم يجد أى جديد يستدعى دستورا جديدا،
قال أخوها: آه صحيح! تصورى أننى لم أفكر فى هذا أبدا،
قالت: لأنك انسقت وراء التغيير، التغيير، التغيير دون أن تسأل نفسك مع كل هتاف للتغيير: تغيير ماذا؟
قال: يا خبر! يبدو ذلك، قالت: لم يكن ينقص إلا أن تطالبوا بتغيير مشرق الشمس لتشرق من المغرب،
قال: «فبُهِتَ الذى كفر» صدق الله العظيم، قالت: اسم الله عليك وعلى حواليك، هل استشيخت أم تأخونت؟
قال: وهل مجرد حضور بعض آية كريمة فى كلامى يجعلنى كذلك،
قالت: لقد خُيِّل إلىّ أن الحكومة سوف تحتكر آيات القرآن الكريم، فلا يستشهد أحد بها إلا بإذن على البطاقة بعد رفع الدعم،
قال: اعملى معروفا، كله إلا هذا، القرآن ملك للجميع، حتى لغير المسلمين، قالت: أعرف ذلك،
قال: لكن ما هذا؟ ما حكايتك أنت أولا؟
أنت تسأليننى وتسألين أبى وتعرفين رأى أمى ولم تعلنى أنت موقفك، قولى لى أولا، وأنتِ؟
قالت: أنا؟!
قال: نعم أنتِ هل ستشاركين؟
قالت: طبعا.
قال: وهل ستوافقين أم ترفضين.
قالت: وانت مالك يا «رِخِم».
[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذه الصورة]