الشرعية البديلة

لا أظن أن المشكلة التى تواجه مصر حاليا هى الاستفتاء على الدستور، مهما كانت نتائجه وآثاره ومواده

فهذه ليست الأزمة الحقيقية داخل البلاد، بل المؤكد أن الأزمة أعمق وأشد وأخطر، فالانقسام الدائر حاليا

على سطح المشهد العام يشير إلى أن هناك صراعا سياسيا أصبح محتدا،

ودخل مرحلة النفق المظلم بين شرعية دستورية عبر الصناديق وشرعية ثورية ترى أنها صاحبة أصوات هذه الصناديق..

بين من يرى أنه أصبح صاحب سلطة تنفيذية ينبغى الانصياع له باعتباره يمثل الأغلبية

وتيار شعبى جارف يرى أن السلطة انحرفت عن مسارها الصحيح ولا بد من تصحيح المسار..

والحقيقة أن أخطاء جسيمة ارتكبت من خلال صاحب السلطة التنفيذية منذ توليه المسؤولية، بداية من التوجه

لحلف اليمين فى ميدان عام تاركا الأسس والقواعد القانونية الثابتة لحلف اليمين أمام المحكمة الدستورية،

ثم محاولة القسم دون إعلان رسمى، وكأن ذلك جريمة، وكلها أمور توضح إلى أى مدى ينحصر التفكير

فى العبث بالقانون والدستور والتحايل عليه، وهو أمر أظن أنه تم بفعل جماعة الضغط المحيطة بالرئيس،

وتلك هى المشكلة الحقيقية، فالمعروف أن أى مسؤول أو رئيس يحاط بجماعات ضغط، والنجاح دائما

فى مدى قدرة المسؤول عن عدم الاستجابة لجماعات الضغط لتنفيذ ما يراه لصالح البلاد، لكن لأول وهلة

وجدنا أن الدكتور مرسى استجاب لكل رغبات جماعة الضغط، وهى الإخوان المسلمين،

وظهر ذلك فى القرار المضحك بعودة مجلس الشعب، رغم صدور حكم غير قابل للطعن عليه

من المحكمة الدستورية العليا، ثم إقالة النائب العام فى سابقة لم تحدث من قبل، وباقى القرارات المتتالية

التى تسعى لفرض وبسط نفوذ جماعته على حساب مصلحة البلاد، وهنا تبرز أزمة الشرعية،

حيث لم يعد الرئيس مستمدا شرعيته من الشعب، بل خرج من عباءته مرتديا الزى الرسمى للإخوان معلنا الالتزام

بمبادئ السمع والطاعة على حساب مبادئ ودستور وقوانين البلاد والقسم الذى أقسمه.. وقد نفهم بجدية مشهد

عشرات الآلاف وهم يحاصرون قصر الرئاسة ويهتفون ضد الرئيس، فهذا وارد وقد لا يغضب القابع داخل القصر

باعتبارهم أولادا له وأبناء هذا الوطن، لكن الوضع يختلف جذريا أمام محاصرة البعض للمحكمة الدستورية،

لأنها تمثل قصر العدالة، وإذا حوصرت العدالة لم يعد هناك شرعية لمن يجلس فى القصر الرئاسى..

تلك الأزمة والمشهد لم يدركهما الرئيس وإنما تنبه لهما الثوار الذين يعلنون

عن رغبتهم فى إسقاط شرعيته التى انهارت بالفعل أمام حصار قصر العدالة.

إن مصر ليست فى حاجة حاليا إلى استفتاء على دستور أصبح الحديث فيه نوعا من العبث وتضييعا للوقت،

إنما نحن فى أمس الحاجة إلى البحث عن شرعية بديلة تستطيع قيادة الأمة، بعد أن دخلت الشرعية الدستورية

والثورية مرحلة الصراع.. إن مصر مقبلة على أحداث جسام ويخطئ من يظن أن الاستفتاء على الدستور سيحسم الأمور

ويعيدها إلى نصابها، فالانقسام ساد المجتمع والأخطاء تتوالى والقمع والإرهاب والتخوين لن يوقفوا ثورة الشباب والأحزاب

والتيارات السياسية أمام جماعة أساءت إلى رئيسها قبل أن تسىء إلى نفسها بكل ما ارتكبته خلال الفترة الماضية،

فجرائم القتل والضرب والاعتداء على النشطاء السياسين والإعلاميين لن يغفرها التاريخ، وأؤكد أن المفاجآت

ستكون أسرع مما يتخيل البعض، فالثورة ستمتد لكل بقاع مصر وداخل كل مؤسسات الدولة، لأن الأوطان

لا تعترف بشرعية دستورية أو ثورية، بل بشرعية شعبية مستمدة من الجماهير

وأظن أنها الشرعية البديلة المطروحة حاليا.