[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذه الصورة]طارق الطيب
دخلت علىّ الطالبة النمساوية فى قاعة المحاضرات صباحاً فى جامعة فيينا،
وسألتنى عن أسماء الأعضاء الجنسية عند الرجل والمرأة بالعربية الفُصحى.
أجبتها وكتبتها لها بالعربية وبالحروف اللاتينية وانصرفت.
كنت مشغولاً فى تحضير امتحان ما.
عند الظهر تذكّرت سؤالها الذى أجبت عنه بعفوية، وتذكرت أننى فى اليوم السابق
كنت أشرح لهم أسماء أعضاء الجسم، وبلا شعور لم أذكر ما سألتنى فيه.
تساءلتُ: هل ما زلت أحمل رقابة ذاتية مستترة أثناء الشرح؟
وهل لم أنتبه بالفعل إلى أن الكتاب العربى قد محا هذه المنطقة عند الرجل والمرأة؟
**
هنا حيث أعيش فى فيينا، يشرح الآباء لأطفالهم المعلومات الجنسية بلا حرج،
وبصورة تناسب أعمارهم وفهمهم، وتقوم الحضانة بدور التوعية وتتبعها المدرسة
بطريقة منهجية علمية فى شكل كتاب ونماذج وأفلام علمية، ويسأل التلاميذ بلا حرج،
ويجيب المُدرّس أو المُدرّسة أيضاً دون حرج.
استغربت وأنا أقرأ مرة بالعربية بعض الاستفسارات المتعلقة بالمشكلات الجنسية
فى مجتمعاتنا العربية من بالغين وبالغات ومن متزوجين ومتزوجات.
كانت معلوماتهم الجنسية متدنية للغاية، واستفساراتهم تنم عن رعب وجهل فادح
وأوهام وأخطاء لا حدود لها، والعيب حتماً ليس منهم، بل على المجتمع
الذى يرى فى العلوم الجنسية انحرافاً وعيباً وبُعداً عن الأخلاق.
فى معظم المجتمعات العربية يتم تأجيل الجواب للطفل، وإرجاء الرد على المراهق،
والتأخير فى توعية المتزوجين الصغار، فيتلاطمون فى متاهة الحياة بعُقد النقص وقلة الوعى.
**
فى أوروبا أيضاً لم يكن الأمر كما هو فى القرن الأخير، فقد مروا من عنق الزجاجة
فى كل مناحى الحياة، لكنهم مضوا أسرع، ولم يعودوا إلى الخلف؛
فكما كانوا يقولون لنا ونحن أطفال رداً على سؤال: «من أين أتينا؟»
بأنهم وجدونا عند باب المسجد، كان الأوربيون يقولون لأطفالهم
إن طائر اللقلق هو الذى أتى بهم إلى هذا المكان.
الأدب يمكن أن يخدم العلم كثيراً، لكنى أرى الآن هجمة تعترض الإبداع الأدبى
والفنى بتشويه يحمل راية التنظيف أو التطهير، وقد أصبحت الأمور لا تخضع لرأى
ومشورة أهلها، فالعالِم من المفترض أن تُؤخذ مشورته العلمية، ومن الناقد الفنى
والأدبى مشورته الفنية والأدبية، وقس على ذلك؛ فلا يصح لرجل لا يقرأ أى كُتب أدبية،
على سبيل المثال، أن يتصدى فجأة برأى قاطع مانع للأدب،
على الناس أن تسير منصاعة تحته بلا رأى ولا اعتراض!
**
الكتب التى تتناول الجنس علمياً فى العالم العربى فى القرن الأخير شحيحة
وضعيفة المضمون، ومحتواها غير مناسب للقاصر أو البالغ،
وليس هناك أى صور تشريحية علمية يتناولها الطلاب باحترام علمى دون سُخرية أو حرج.
أتمنى أن يكون الآن المحتوى التعليمى على قدر أكثر توفيقاً
مما كان فى مرحلتى العمرية قبل أكثر من ثلاثة عقود.
والشىء بالشىء يُذكر. أستعيد الآن حكايتى وأنا فى مصر، حين طلبتنى مدرسة الأحياء
إلى حجرة المعلمين -وكانت المُدرِّسة الوحيدة فى مدرسة الذكور فى المرحلة الإعدادية-
قالت لى إنها ستشرح لى الدرس المتعلق بالتشريح البيولوجى لجسم الرجل والمرأة
، لأشرحه للطلاب فى الأسبوع التالى. بهذا الطلب أفسَدت المدرسة
علينا تشوُّقنا لسماع شرحها لهذا الدرس المثير، الذى جهزنا أنفسنا له بعشرات الأسئلة لها،
وبقى الأمر محصوراً فى تقليبنا لصفحات الكتاب عند هذا الجزء،
فى سرية تامة كأننا نطالع مجلة «بورنو»، رغم أنه كتاب مدرسى علمى،
لكننا لم نتعود من قبل على شرح أو تلقى أى معلومات جنسية صحيحة من الكبار،
فقط تم حشو رؤوسنا بحكايات ومبالغات أصدقائنا المغامرين والكذابين
الذين كانوا يجمِّلون حكاياتهم بكثير من التلفيقات الشيقة.