تباينت ردود الأفعال داخل مصر حول الإعلان الدستورى الذى أصدره محمد مرسى. رفضته كل القوى السياسية
وأيده الإسلامجية. لكن أصواتا من خارج مصر كانت حاسمة فى تأييدها للإعلان الدستورى الذى يمنع المصرى
من أبسط حقوق الإنسان، حق التقاضى، حق الاعتراض بالقانون على ما يراه مجحفا فى حقه،
على المستوى الشخصى والمهنى والعام. الاعتراض الذى لخصه مواطن فى مداخلة
على «سى بى سى» بجملة: «يعنى لو الرئيس مرسى قرر يتجوز مراتى مش هاقدر أعترض عليه».
أول المؤيدين صوت دولة «الجزيرة» التى صارت الآن تشبه التليفزيون المصرى الرسمى. قناة «الجزيرة»
ودولتها أيدت قبل ذلك النظام السورى وتابعه حزب الله حين كانا يغتالان السياسيين السنة والمسيحيين المعارضين
فى لبنان. وأيدت حماس فى سحلها للفلسطينيين الفتحاويين. ومن الطبيعى الآن، حين صار فى مصر
نظاما لن يقل قمعا عن النظام السورى البعثى الطائفى أن تؤيده. هذا النوع من الأنظمة يريحها، لأنه يقرر
بالنيابة عن الشعب ومع مصلحة بقائه فى الحكم حتى لو كانت ضد مصلحة الشعب (وهى تعارض الأسد
الآن لسبب وحيد، لأنها تعرف أن بديله سيكون نظاما إخوانيا تابعا لها على غرار مصر وتونس).
وإذا نظرنا إلى الموضوع من جهة الأنظمة، فإن هذه الأنظمة تحتاج إلى شيئين، إعلام يطبل لها،
وأموال تعوض فشلها. وقطر تمنح الاثنين بسخاء. لذلك تحب النظم القمعية وتحبها. ليس هذا جديدا.
أما أن يصير محمود الزهار، وزير الخارجية فى حكومة حماس المرتزقة التى تعيش على الإعانات الإيرانية والعالمية،
أما أن يصير هذا الوزير الفاشل مؤيدا للقرارات الديكتاتورية المصرية، وأن يصرح بهذا فى مؤتمر صحفى،
فهذا هو الجديد، وإن لم يكن غريبا. فما فعلته حماس فى غزة هو ما يتوقع أن يفعله الإخوان فى مصر.
وأدمن صفحة إخوانية على الإنترنت كان يتراسل مع حمساوى ويتمنيان علنا «لحظة الحسم» التى يستفيد فيها الإخوانجية
من كوادر حماس المدربة لكى يفعلوا بالمعارضة المصرية ما فعلته حماس بالفتحاوية. هذه اللحظة قادمة قادمة.
نحن بالطبع لا نتمناها، لكن من السذاجة أن يظن شخص أنها لن تأتى. فكوادر حماس
وحزب الله هى من أخرجت القيادات الإخوانجية من السجون،
فى عملية تعاونية هربوا فيها خلاياهم إلى بيروت وغزة فى نفس اليوم.
المطلب الحمساوى القطرى الآن أن يعيش ٩٠ مليون مصرى تحت قبضة السوط والسيف،
لكى ينعم ثلاثة ملايين غزاوى بالتأييد السياسى، أو ينعم أقل من مليون قطرى بعائد الخطط القطرية الاقتصادية،
أو لتحقيق هدفهم -المشروع- بمنافسة السعودية. والمطلوب منا أن نصمت وإلا نكون معارضين لـ«المقاومة»
الفلسطينية. هذه المقاومة الموسمية التى تملأ الخزانة بدماء الأطفال ثم تعقد هدنة لسنوات وتقبض الثمن.
وهكذا دواليك. أتحدى من تريد الموضوعية ها هنا أن تعد عدد عمليات المقاومة فى غزة منذ سيطرت حماس على القطاع
قبل ست سنوات وتقارنها بعدد العمليات حين كان القطاع تحت قيادة فتحاوية. ليس هذا انتصارا لفتح،
ففيها من العلل والفساد الكثير، هذا محاولة لدفعك إلى التفكير بعيدا عن الكلام الحمساوى المرسل الذى لا يدعمه دليل.
أو اسألى نفسك: ما بنود «النصر الإلهى» الذى أعلن عنه إسماعيل هنية؟ لا شىء. ما التنازل الذى قدمته إسرائيل؟
لا شىء. ولكى أكون أكثر دقة: ما الجديد فى اتفاق الهدنة الحالى
عن اتفاقات الهدنة السابقة التى وقعتها حماس مع إسرائيل؟
لقد كان الاتفاق مرضيا جدا لإسرائيل وأمريكا لدرجة أنهما امتدحتا الدور المصرى. محلل إسرائيلى على «بى بى سى»
فى مقابلة أول من أمس قال إن ما حدث فى غزة يشبه ما حدث فى لبنان قبل ٦سنوات، حزب الله أعلن «النصر الإلهى»
لكن الإسرائيليين فى الشمال نعموا بالأمن حتى الآن. كان اتفاق الهدنة مرضيا جدا لدرجة أن
الأستاذ الدكتور محمد مرسى اعتقد أنه الوقت المناسب لكى يحول مصر إلى عزبة وهو آمن من المعارضة الدولية.
نفس النهج الذى اتبعه الرئيس الذى أسقطته الثورة. وقد قلت سابقا وأكرر، إن الحمساويين يضيعون القضية الفلسطينية
بوضعها حجر عثرة فى طريق أحلام المصريين. وبتقديمهم مصالحهم الفئوية على مصالح مواطنى هذا البلد.
نفس السياسة الفلسطينية التى أدت سابقا إلى أيلول الأسود فى الأردن
وإلى الحرب الأهلية فى لبنان. هذا غباء ما بعده غباء، ثم إنه لن يمر.
[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذه الصورة]