الخطأ الأول الذى وقعت فيه «قوى التحرير» كان عجزنا عن قراءة الواقع كما هو.
أما خطؤنا الثانى فهو الثورية «التقليدية»، التى تحولك إلى شخص مقروء، يعرف خصومهم ما يستفزهم،
وما يهدِّئهم، ويعلم ما يؤلمهم نفسيا ويبتزهم به. وقد لعب علينا الإخوان من هذا المدخل كثيرا. عن طريق
إعلامهم المتغلغل. وعن طريق أعضائهم الذين انتشروا فى حركات ثورية.
منتهجو هذا النهج لا يزالون يعيشون على الضفة الشرقية من جدار برلين قبل انهياره. لا يدركون أن الثورة
ومعناها ومغزاها تطور منذ انهيار الجدار عام ١٩٨٩. وأن الثورات صارت تقوم من أجل الديمقراطية،
من أجل ضمان حرية الاختيار، وليس من أجل فرض خيار. شمال، يمين، سنظل فى نفس المربع لو لم ندرك هذا.
لأننا سنظل نقع فى الخطأ الأول والثانى، والثالث أيضا. وأعنى به ربط المطالب بوجوه أصحابها.
لا بد أن تتوقف «قوى التحرير» عن الاستعلاء على مطالب حزب الكنبة وطريقة وعيه بالحياة.
وأن يعترف حزب الكنبة بأن قوى «التحرير» حافظت على الثورة حتى الآن، لأن البعض يختصر قوى التحرير
فى عاصرى الليمون ويحمّلونهم مسؤولية توصيل مرسى إلى الحكم. هذا إجحاف. أولا لأن عاصرى الليمون
ثُلَّة قليلة من قوى التحرير. وثانيا لأن عاصرى الليمون -حَسَنِى النية لا الأفاقين منهم- اختاروا اختيارهم باجتهاد
فى ظل ظروف معينة. وهذه الظروف هى ترشُّح شخص ارتبط فى أذهانهم بالنظام السابق أمام شخص
من الإخوان المسلمين. كما أنهم اعتقدوا أن الإخوان حقنة هناخدها هناخدها، فخلينا ناخدها دلوقتى والشعب لسه صاحى.
أنا شخصيا عارضتهم فى هذا وكتبت عدة مقالات ضد هذا التوجه، كما أننى قاطعت الانتخابات.
غير أنى أتفهم صادقى النية منهم، الذين يُظهِرون ما يبطنون. ولو دخلنا فى هذا الجدل لن ننتهى. عاصرو الليمون
سيقولون لمؤيدى شفيق لو كنتم أيدتم شخصا لا يرتبط ارتباطا صريحا بالنظام السابق لتغيرت أمور.
ولو كنتم اعترضتم على التعديلات الدستورية فى مارس -بدل دعم الرؤية الإخوانجية- لتغيرت أمور. وهكذا دواليك.
وهذا يقودنا إلى ما أعتقد أنه مشكلة المشكلات. عدم بروز قيادات سياسية تعبر عن حزب الكنبة،
وفى الوقت نفسه تكون مقبولة لدى قوى التحرير. أعجبنى تعبير على «فيسبوك» بأن مصر صارت مثلثا،
طول أى ضلعين فيه أكبر من الضلع الثالث. معنى هذا أن السياسة ستحسمها التحالفات. وهذا يعيدنا مرة أخرى
إلى إدراك الواقع. إن أرادت قوى التحرير دولة ديمقراطية، فلا بد أن نتقبل حقيقة لزوم التحالفات مع بعض
من الـ٣٦٪ الذين انتخبوا أحمد شفيق وعمرو موسى فى الجولة الأولى، لكى نضيف ما نستطيع منها، دون تنازل
عن المبادئ السياسية، إلى الـ٢٥٪ التى تمثل الحد الأقصى من قوتنا الانتخابية فى هذا الوقت.
ومن هنا أبشرنا بأن جبهة الإنقاذ التى أعلن عنها فى مليونية الثلاثاء ليست ممثلة لكل من فى التحرير.
لقد غاب عنها ممثل للكنباويين، لمحبى الاستقرار، للديمقراطيين الإصلاحيين منهم، لمن يريدون عودة عجلة الإنتاج
لا عودة النظام السابق، بكل صراحة: لمن لا يثقون تماما بقوى التحرير. نعم يا صديقتى. لقد كان إلى جوارك
فى مليونية الثلاثاء من لا يثق بقدرتك على القيادة والتحرك، ولا يثق بالبرادعى
ولا حمدين صباحى ولا جورج إسحق. حقيقة مؤلمة. لكن هذه هى الديمقراطية.
أبرز ميزات تحالف كهذا لو حدث أنه سيصنع تلك الثقة المفقودة. إنما قبل البحث عن الميزات، الأمنيات،
لا بد أن نبحث عن الأشخاص. أعتبر نفسى من قوى التحرير، لذلك لا أرى من المناسب أن أقترح أسماء.
إنما أنبه إلى أهمية بروز قيادة جديدة لدى المؤمنين بالديمقراطية من حزب الكنبة، فيها من الفريق أحمد شفيق مميزاته،
وتخلو من عيوبه، وأبرزها الارتباط الصريح بالنظام السابق. رؤيتى أن هذه القيادة ستخرج من الطبقة «العميقة»
من قيادات حزب الكنبة. فلا بد من إشراكها، والتعامل معها، وتشجيعها
على إبراز قيادات وسطية لا تحمل خطابا عدائيا لقوى التحرير.
أخيرا، أعلم أننى بمقالات كتلك أفقد «البريستيج الثورى». لكننى أقول ما أرضى لنفسى ولضميرى أن أقوله.
لا تدفعنى إليه إلا الرغبة فى الحفاظ على مبادئ العيش الكريم: العيش والحرية.