روجر كوهين يكتب: مرسى ارتكب حماقة كبرى

لندن - الرئيس المصرى محمد مرسى ارتكب حماقة كبرى.

ربما كانت دوافعه شريفة - فأنا أميل إلى افتراض حسن النية فيه -

لكن الخطأ جسيم ويجب تصحيحه.

إن استحواذه على سلطة شبه مطلقة عبر قرار رئاسى، واضعا نفسه فوق الرقابة القضائية،

يستدعى العبارة الشهيرة للدبلوماسى الفرنسى تاليران التى تقول «أسوأ من جريمة، كان خطأ».

مرسى يقول إن الخطوة التى اتخذها مؤقتة -كوسيلة لتسريع خروج مصر من حالة الفراغ ما بعد الثورة-

لكن كلمة «مؤقتة» كلمة لا تحظى بمصداقية فى بلد استمرت فيه سلطات «الطوارئ»

الديكتاتورية فى عهد المخلوع حسنى مبارك، لعقود.

دستور أهم بلد عربى -البلد الذى يعيش فيه ربع سكان العالم العربى تقريبا، والمحك بالنسبة إلى الحريات الموعودة

من الربيع العربى- لا يمكن فرضه عبر لجنة تأسيسية فقدت نحو ربع أعضائها المئة، وهم بالأساس ليبراليون

ونساء انسحبوا احتجاجا. اللجنة ترقى الآن إلى كونها هيئة منبوذة تسيطر عليها الأحزاب صاحبة التوجه الإسلامى.

قضاة البلد (الذين من المفترض أن يشرفوا على استفتاء نهائى على مسودة الدستور) دخلوا فى إضراب

ومرسى من خلال تهوره حقق هدفا سياسيا واحدا، فتوحدت فصائل المعارضة الليبرالية غير المؤثرة والمنقسمة

فى احتجاجات شوارع حاشدة وخلف المطالبة بإلغاء الإعلان. ودوت تغريدة لصاحب نوبل محمد البرادعى

على «تويتر» شبه فيها مرسى بفرعون جديد. إن على مرسى أن يضغط على زر إعادة البدء.

السياسات الديمقراطية شاقة، اسأل الرئيس أوباما عن هذا. و(الرئيس مرسى) لا يمكنه أن يتجنب السجال السياسى

فى مصر، حيث فاز بالانتخابات الرئاسية هذا العام بنسبة 51.7% من الأصوات. لا يمكن الدهس

على الـ48.8 الآخرين. على الأقل يجب أن يتم إلغاء قراره وإعطاء المصداقية للجنة التأسيسية،

ووحده التمثيل الشامل هو ما سيمنحها هذه المصداقية.

قلت إننى أميل لافتراض حسن النية فى دوافع مرسى. هو يعرف أن الديكتاتورية لن تنجح فى مصر الجديدة.

نجح فى التغلب على الجيش، وقدم المساعدة فى غزة، وكان شجاعا فى ما يخص إيران وسوريا.

وهو نتاج ثقافة الإخوان المسلمين التى جاءت نتيجة للقمع العنيف، تميل ناحية الإحساس بالمؤامرة والسرية.

فالأعداء كانوا فى كل مكان. من السهولة بمكان أن ترى كيف أنه، مع قرار محكمة يلوح فى الأفق يوم الأحد بإمكانية

حل اللجنة التأسيسية للدستور، أقنع مرسى نفسه بوجود مؤامرة من النظام القديم لتقويض الإرادة الشعبية

وإعادة مصر إلى نقطة الصفر فى مرحلتها الانتقالية. المشكلة أنه لم يحاول حل المسألة بالتواصل.

لقد أغلق نفسه فى شرنقة مطلقة وسمح بدء التصويت على مسودة الدستور. فى مقابلة فى القاهرة مؤخرا،

قال لى عصام سلطان، وهو محامٍ بارز كان عضوا بالإخوان المسلمين وتركها ليشكل حزبه الخاص،

قال لى: «مرسى يمثل إرادة الشعب. تذكر أنه يأتى من حركة عملت تحت الأرض لمدة 60 عاما.

إن هذا ينتج الأمراض، وتعميمات متوحشة مثل رؤية كل شخص على أنه عدو للدين. المصالح والأفكار الإنسانية

يجب أن تكون أساس المناقشة لا الدين، لكن اليسار والليبراليين لديهم مشكلات أيضا.

إن أفكارهم تأتى من الخارج بدلا من داخل النظام الديمقراطى المصرى».

كثير من الليبراليين هذه الأيام يميلون لجعل الديمقراطية جملة تابعة. نعم، هم يقولون، نحن أحرار لنقول ما نشاء،

ونكتب ما نشاء. هذا مدهش، لكننا لا يمكن أن نتعامل مع الإخوان ونعارض أى شىء يفعلونه. وأرد

على هذا بالقول إن الحرية ليست جملة اعتراضية. و51.7% هى نسبة كافية للحكم فى بلد ديمقراطى.

لقد قطعت مصر شوطا طويلا: الجنرالات الذين تلقوا تدريبهم فى الولايات المتحدة أدوا التحية العسكرية

لرئيس من الإخوان منتخب بشكل حر، وخرج بلد فخور من حالة التجمد السياسى الشديد المعطلة.

لكن الإنجازات هشة. مرسى ومعارضوه الليبراليون سيحسنون صنعا لو أنهم استدعوا كلمات بنجامين فرانكلين

لدى خروجه من المؤتمر الدستورى فى فيلاديلفيا وسؤاله أى نظام للحكم تم تبنيه،

حينها قال «جمهورى، إذا كان بمقدوركم الحفاظ عليه».

إن الحفاظ على الحرية الوليدة فى مصر سيتطلب شجاعة ومساومة. لا بد أن يصحح مرسى خطأه

وأوباما يجب أن يعمل جاهدا خلف الكواليس لضمان هذا. يجب أن يتوحد الليبراليون ويقبلوا بالمساومات.

ومسودة الدستور تخذل مصر بتفضيلها للمعسكر الإسلامى، لكن المشكلات ليست مستحيلة الحل. منذ كتبت

عن ذلك الشهر الماضى، فإن مادة مثيرة للجدل تقول إن الرجل والنساء متساوون فى الحقوق

«بما لا يخالف أحكام الشريعة الإسلامية» تم إسقاطها وهذا مهم. ويبدو أنه تم التوصل الشهر الماضى إلى مساومة

واسعة تشير إلى «مبادئ» الشريعة الإسلامية كمرجعية، كما هو فى الدستور الحالى، لكنه تم التراجع عنه

مع محاولة الإسلاميين تسريع الانتهاء من المسودة، التى يثير تركيزها للسلطة فى الرئاسة الفزع. إن تسريع

كتابة وثيقة بهذه الأهمية ليس خيارا. مصر ستنقسم، والاستثمارات ستتبخر، والاحتجاجات ستتواصل

. يجب أن يتجاوز مرسى شكوكه الإخوانية إلى بناء لجنة دستورية تضم معارضين ليبراليين،

وهؤلاء عليهم، شأن الجمهوريين فى الكونجرس، أن يظهروا الوطنية من خلال التصرف ببراجماتية.

إن مصر حرة، وهى الأولى من نوعها، تستحق الحفاظ عليها، فهى يمكن أن تكون عامل تغيير جوهرى فى منطقة بحاجة ماسة إلى فكر جديد.

المحلل البريطانى البارز وكاتب عمود الرأى بـ«نيويورك تايمز»