السيناريو الأسود مخطئ من يظن أن تداول السلطة فى مصر بات أمراً طبيعياً، فإذا كان إسقاط نظام مبارك تطلب من المصريين
ثورة سقط فيها مئات الشهداء وآلاف المصابين، فإن تغيير نظام مرسى ودولة الإخوان، حتى ولو بانقضاء
سنواته الرئاسية الأربع، وبانتخابات نزيهة، لن يحدث ولو بالدم، خلع مبارك
كان أشبه باقتلاع الظفر من اللحم، أما التغيير القادم فلن يجدى معه إلا البتر، بتر الأرض.
عندما سقط مبارك انفضَّ مريدوه وحزبه ورجاله إلى جحورهم، كانوا جماعة من المنتفعين وأصحاب المصالح،
أو بسطاء يتفاخرون بكارنيه الحزب، أما الملتفّون المؤيدون للرئيس فتجمعهم قناعة بأنهم على الحق
ومن يخالفهم هو الباطل بعينه، حتى وإن كانوا رفاق الميدان، من ناصروا ودافعوا، من اصطفوا من حولهم
ليحموا ظهورهم عندما قاموا للصلاة، من رفضوا التعميم والتخوين وقتما ارتفعت الأقلام تتهم الإخوان بالتواطؤ
وعقد جلسات سرية ومواءمات مع عمر سليمان وفلول النظام البائد،
كانوا دائماً ما يدافعون «شباب الإخوان كانوا بيننا ومعنا، ونرفض أن يتحملوا نتيجة جرم لم يرتكبوه».
واليوم باتت الكفتان سواء، مؤيدو مرسى مثل معارضيه، ولكل ميدانه ومنصته ورموزه، المعركة امتدت
ساحتها إلى المحافظات، ميدان التحرير وحده لا يتسع، فإن ذهب هؤلاء إلى «الدستورية» للترهيب،
هرول الآخرون إلى «الاتحادية» للتحذير، المسافة بين المعادى ومصر الجديدة شاسعة،
لكن فى طريق العودة إلى الثكنات، فى التحرير والنهضة، لا بد أن يلتقيا، «والقاتل والمقتول فى النار».
إن آجلاً أو عاجلاً سيحتدم الخلاف، للصبر حدود، أصحاب التحرير بلا سقف، تستهويهم المبادرة «غير المدروسة»
وكسر حاجز الصوت لمجرد المزايدة، يمنحون الألقاب الثورية لمن شاءوا وينزعونها عمن لا يجاريهم فى التصعيد،
وأصحاب «النهضة» يستبقون القرار، يؤيدون ما لا يعرفون، ويكفّرون خصومهم ثم يبحثون عن الحجة، يعادون
ثم تأتيهم البينة والدليل.. البرادعى «مرتد» وصباحى «خائن»، واليساريون عملاء،
«سباب المسلم فسوق»، وحدهم يملكون مفاتيح الجنة وصكوك الوطنية.
ولأن الوضع سيتأزم، ولأن القادم ضبابى بما يفوق تصور صاحب الباب العالى بالمقطم، وممثله فى «الاتحادية»،
فلن يبقى إلا سيناريو دم، ثمة فريق يعرف جيداً كيف يثأر لقتلاه، يملك المال والعتاد، ولو طلب أن يتحول أتباعه
إلى جيش مسلح سيتحقق الطلب «ما بين طرفة عين وانتباهتها»، ثم يأتى الدور الأمريكى، لفض الاشتباك،
كلاهما مصريون وأصحاب حق، ولكى لا تدخل مصر فى حرب أهلية، ولكى يتوقف نزيف الدم، سيلتزم كلا
الجانبين بحدود ما قبل القتال، وبينهما قوات دولية لحفظ السلام، ربما يبدو المشهد أقرب إلى التهويل المبالغ فيه
والتشاؤم الأسود، لكن بقراءة متأنية فى الوضع الحالى، وباتخاذ خطوة واحدة فقط إلى الوراء، ستدرك أن مصر
«غرزت» فى طين ضحل آسن، وهى لا تزال فى بداية الرحلة، فإما أن يترجل ركابها جميعاً ويرفعوها،
ويدرك السائق أن كل مهمته هى توجيه الدفة نحو الموضع الآمن وليس ما يرى هو وأقاربه أنه الطريق
الأقصر والأفضل، وإما أن يظل بالداخل، ويقنع نفسه وأتباعه أنهم فى مأمن،
فيما يقف معارضوه فى الخارج مقتنعين أنهم وحدهم يدركون ماهية الخطر وحجم الكارثة التى وقعوا فيها.
على كل، فقد وصلت الأزمة إلى مرحلة من التعقيد لن يفلح معها إلا التدخل الأمريكى، إما بالضغط على مرسى ليتراجع ويعيد أتباعه إلى ثكناتهم، وإما أن تصبر ليصبح لتدخلها شكل آخر تجيده تماماً كما فى العراق والسودان.