سيبونى أفكر! عيونهم ممتلئة بالأمل البراق الذى يميز أعمارهم الصغيرة.. يجلسون حول منضدة دائرية أو مستطيلة أو مربعة.. لا يهم؛
تمر بضع دقائق حتى يهدأوا وتتجه أنظارهم إلى منسق اللعبة الذى يرحب بهم بكلمات واضحة وابتسامة عريضة..
يتلو المنسق شروط اللعبة على المجموعة التى لا يزيد عددها على عشرة أطفال من المرحلتين: الابتدائية أو الإعدادية.
أهم الشروط هو المساواة التامة بين الجميع، ويتم ذلك بأن يحترم كل طفل دوره فى المشاركة..
ثانى الشروط هو عدم تدخل المنسق أو المنسقة إلا عند خروج أحد على النظام..
ثالث الشروط هو احترام كل طفل لآراء الآخرين جميعاً وعدم السخرية منها أو استنكارها على أى نحو..
رابعها هو عدم مقاطعة أحد للآخر والانتظار حتى ينتهى تماماً من طرح فكرته..
خامس الشروط هو الالتزام بالزمن المحدد لها، والذى يتراوح عادة بين الساعة والساعتين.
عند هذه المرحلة يبدأ الأطفال فى فقدان الصبر على المنسق، وغالباً ما يقول أحدهم: أين اللعبة؟
لم نَرَ لعبة حتى الآن! هنا تأتى المنسق الفرصة الذهبية ليقول: اللعبة فى عقولكم، أهم شىء فى هذه اللعبة
هى أننا سنفوز جميعاً؛ لن يكون هناك مهزوم فى النهاية كما اعتدتم فى كل اللعبات الأخرى.
انتبهوا جيداً.. سقطت عنزة صغيرة «معزة يعنى» فى حفرة كبيرة، وعجزت عن الخروج منها.. اكتشفها أحدكم،
وجاء مسرعاً ليعرض الأمر عليكم.. ماذا تفعلون لمساعدة العنزة على الخروج من الحفرة؟ نبدأ من هنا،
وتشير إلى أصغرهم سنًّا.. يقول: نبحث عن أمها لتخرجها!
يضحكون فتذكرهم المنسقة ألا ينسوا شرط عدم تسفيه أى رأى.
الطفل الثانى يقول: يقفز أحدنا بحبل إلى داخل الحفرة، ويربط العنزة جيداً لنسحبها إلى أعلى، ثم نسحبه هو.
الثالث: نأتى بلوح خشبى، ونثبت فيه بعض القطع العرضية، ثم نضعه فى الحفرة بميل يناسب قدرة العنزة على التسلق.
الرابع: نتصل بخدمة الأوناش المتنقلة، ونعد صندوقاً مفتوحاً من أعلى؛ تدخله العنزة، ويرفعها الونش.
الخامس: أرى أن نردم الحفرة تدريجيًّا بالأتربة المحيطة بها؛ ستقوم العنزة تلقائيًّا بالوقوف على الردم
الذى يرتفع بها إلى السطح الذى نقف عليه، ونكون بهذا قد أنقذنا العنزة وكل من يمر لاحقاً من هذه الحفرة.
هنا يتحمس السادس وهو يعلق: فكرة رائعة.. ولكن علينا أولاً أن نحمى العنزة من الأتربة التى نلقيها فى الحفرة.
السابع يقول: يجب أولاً أن نطعم العنزة، فربما تكون جائعة، ونحن لا ندرى كم من الوقت يستغرقنا إنقاذها؟
تسجل المنسقة الآراء كلها على لوحة كبيرة فى منتصف المنضدة، وتدعوهم للاشتراك جميعاً فى تقييم الأفكار
وبحث الأنسب منها، واضعين فى اعتبارهم عناصر الزمن والجهد والمهارة والتكلفة المطلوبة لكل منها،
ويمكن إضافة معدل المخاطر المتوقعة.
انتهت اللعبة بعد أن اتفقوا جميعاً على اختيار حل ردم الحفرة،
ولكن بعد رش الأتربة بالمياه حتى لا تضر عينى ورئتى العنزة.
المنسقة تصفق لهم وتدعوهم للاشتراك جميعاً فى رسم خطوات الحل لتصبح لوحة فنية،
ويعلقوها على حائط فصلهم المدرسى.
«سيبونى أفكر» هو أحد مشروعات ساقية عبدالمنعم الصاوى التى تشجع الطفل المصرى على التفكير بحرية تامة،
ثم التعبير عن نفسه بنفس المقدار من الحرية.. حينها سيقول: «سيبونى أعبّر»، ويصل إلى أهم مراحل اكتمال الشخصية
التى نحاول بناءها حينما يشعر بحقه الكامل فى المشاركة فى كافة شئونه، فيقول:
«سيبونى أقرر». برنامج بسيط أعتز كثيراً بابتكاره وإضافته إلى أنشطة الساقية.
يخرج الأطفال من هذه اللقاءات وقد تعلموا - دون أن يدروا- أسس التفكير المنطقى والجمعى والإبداعى،
والمقدرة على التحليل والتقييم والعمل الجماعى.
كلها مهارات مهمة، ولكن الأهم هو تعلم الإنصات للآخرين واحترام آرائهم،
والإيمان بأن حلقات التفكير النظيفة تنتهى دائماً بفوز الجميع.
[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذه الصورة]