موضوع: ذلك فضل الله يؤتيه من يشاء الأحد ديسمبر 16, 2012 9:32 pm
صيد الخاطر لابن الجوزي - صفة العارف
ليس في الدنيا و لا في الآخرة أطيب عيشاً من العارفين بالله عز و جل ، فإن العارف به مستأنس به في خلوته .
فإن عمت نعمة علم من أهداها، و إن مر مر حلا مذاقه في فيه ، لمعرفته بالمبتلي . و إن سأل فتعوق مقصوده ، صار مراده ما جرى به القدر ، علماً منه بالمصلحة بعد يقينه بالحكمة ، و ثقته بحسن التدبير .
و صفة العارف أن قلبه مراقب لمعروفه ، قائم بين يديه ، ناظر بعيز اليقين إليه ، فقد سرى من بركة معرفته إلى الجوارح ما هذبها .
فإن نطقت فلم أنطق بغيركم و إن سكت فأنتم عقد إضماري
إذا تسلط على العارف أذى أعرض نظره عن السبب ، و لم ير سوى المسبب ، فهو في أطيب عيش معه . إن سكت تفكر في إقامة حقه ، و إن تكلم بما يرضيه ، لا يسكن قلبه إلى زوجة و لا إلى ولد ، و لا يتشبث بذيل محبة أحد .
و إنما يعاشر الخلق ببدنه ، و روحه عند مالك روحه ، فهذا الذي لا هم عليه في الدنيا ، و لا غم عنده وقت الرحيل عنها ، و لا وحشة له في القبر ، و لا خوف عليه يوم المحشر .
فأما من عدم المعرفة فإنه معثر لا يزال يضج من البلاء لأنه لا يعرف المبتلي ، و يستوحش لفقد غرضه لأنه لا يعرف المصلحة . و يستأنس بجنسه لأنه لا معرفة بينه و بين ربه ، و يخاف من الرحيل لأنه لا زاد له و لا معرفة بالطريق .
و كم من عالم و زاهد لم يرزقا من المعرفة إلا ما رزقه العامي البطال ، و ربما زاد عليهما .
و كم من عامي رزق منها ما لم يرزقاه مع اجتهادهما .
و إنما هي مواهب و أقسام ، ذلك فضل الله يؤتيه من يشاء .