أعرف جيدًا أن الدكتور مرسى يؤمن بأنه سيحاسب بمقياس «إذا عثرت دابة فى العراق»، لكن السؤال
كيف العمل والدواب لا تتحرك من مكانها أصلًا وتقضى ساعات حبيسة شوارع العاصمة
المصابة بتصلّب شرايين مزمن يقود للشلل كل ساعة تقريبًا؟
إذا كان النظام الجديد يسعى إلى النهضة بالفعل، فعليه أن يتعامل مع مشكلة المرور، لأن الحركة هى أصل أى تقدم،
كيف لأمة أن تنهض وهى تزحف على بطنها طول النهار، والناس سجناء الطريق معرضون للدوالى من فرط الوقوف فى الأوتوبيس
أو معرضون للناسور من فرط جلوسهم فى أماكنهم بالساعات، بخلاف ما تخلفه هذه العطلة فى الوجدان من طاقة سلبية
تنعكس على كل شىء فى الحياة من القدرة على العمل إلى القدرة على التزاوج.
إذا كنا قد تفهّمنا طلب الحكومة مننا بأن نقعد لبعض فى المنزل بالكلوتات لتوفير الكهرباء، فأنا أخشى أن تعالج الحكومة
مشكلة المرور بلافتات فى كل مكان مكتوبا عليها «فلتكن ساعات الانتظار تسبيحًا واستغفارًا»،
وهذا أمر لا بأس به أبدًا، ولكن صدقنى يا سيادة الرئيس أن الاستغفار سينقلب «حسبنة» بأسرع مما تظن.
فالناس فقدت القدرة على تصديق ما تعيشه فى الشوارع وبدأت فى تأليف أساطير كاذبة لتبرر لنفسها ما يحدث،
بداية من أسطورة «أصل النهارده الاتنين أول الأسبوع» مرورًا بأسطورة «أصل النهارده الخميس والناس مسافرة»،
نهاية بأسطورة «هو يوم التلات عامل كده على طول»، والطيبون يروجون طول الوقت لحكاية «عربية النقل المحملة سولار المقلوبة
مرة على الدائرى ومرة على المحور»، أهو منه تبرير للزحام ومنه تبرير لعدم وجود السولار، هى عربية واحدة تنقلب فى كل مكان
لتذكّرنا بحكايات الغريب، فهناك من يؤكد أنها انقلبت عند المزلقان ومن يؤكد أنها انقلبت فى المنيب ومن يؤكد أنها مادخلتش السويس أصلًا.
الناس معذورة يا سيادة الرئيس، والوقفة بالساعات فى إشارة الجامعة تنقلب إلى «وقفة مع النفس»
تقلب على الواحد المواجع وتملأ ضميره بالتسلخات وتكدر صفاء يومه، كما أنها تجلب اللعنة على الثورة والداخلية والحكومة
وحضرتك عارف اللى باقى، ولا أحد مستفيد مما يحدث سوى شركات المحمول «مكالمات لا تنتهى للتسلية فى الزحام»
والمتسولين والشركات المعلنة على إذاعة «نجوم إف إم»، حيث يتنافس المعلنون على برامج الفترة الذهبية ويقولون
إنها من 2 لحد 7، تسأل: إشمعنى؟ يقول لك: أصل الناس كلها فى الشارع فى الوقت ده،
تقولون إن النهضة إرادة شعب، طب كيف السبيل إليها والشعب كله محبوس فى الشارع فى الوقت ده؟
سئمنا غياب الداخلية عن الشوارع، هم للأمانة موجودون، ولكن للحصول على بشرة ذهبية يطلق عليها الخاصة لقب «تان»،
مَن يعملون بضمير منهم قلة يسعد الواحد عندما يقابل أحدهم يقف فى الشراع وكله حماس وانفعال حقيقيين،
حتى لو كانت الدنيا مش ماشية يفرح به أيضًا على الأقل يشعر الواحد أن هناك مَن يحاول ويؤدى المطلوب منه بضمير،
فى المقابل عادت الجدران الأسمنتية إلى وسط المدينة وعلّق الأهالى لافتات تطالب الداخلية برفع الحواجز
بناء على حكم محكمة القضاء الإدارى، لكن الداخلية تتجاهل هذه اللافتات، لأن أهل وسط البلد
وجاردن سيتى طيبون ولا يشبهون الرفاق فى الجيزة «اللى بيعرفوا يدّوا عُلق سخنة».
قلنا كثيرًا من قبل انقلوا الحكومة خارج العاصمة، صار هذا الأمر واجبًا بعد أن ارتبط وجود الحكومة بكم كبير من الاعتصامات
والإضرابات، لو كانت تأتى بنتيجة كان ماشى، لكن مزيد من العطلة والاعتداء على المعتصمين بسبب تكاثرهم بشكل مخيف
فى مكان حدوده ضيقة بخلاف عدم الاستجابة إلى مطالبهم أصلًا، أى أن وجود الحكومة فى قلب العاصمة مؤذٍ من جميع الاتجاهات،
إذا كنتو بتأجّروا قاعات جامعة النيل للإخوان ليجروا هناك انتخاباتهم الحزبية،
ألستم قادرين على تأجير مكان لقنديل وأولاد أخته لتخفيف الحمل على شوارع العاصمة؟
إنها مأساة يا سيادة الرئيس، ربما عشتها أنت من قبل، لكنك ستنساها بمرور الوقت عليك خلف الستائر السوداء
فى سيارة الرئاسة، وإن لم تكن حضرتك مهمومًا بموضوع النهضة، فعلى الأقل عليك أن تخشى موضوع المحاسبة الإلهية،
فيومًا ما سيُسأل كل واحد عن عمره فى ما أفناه، وإذا كان سيدنا عمر يؤمن أنه سيحاسب على دابة عثرت فى العراق
فمن المؤكد أن حضرتك ستكون فى وضع بالغ السوء عندما يجيب واحد من عشيرتك
قائلًا إنه أفنى ثلث عمره فى نزلة المحور ودخلة عباس العقاد.
[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذه الصورة]