لو أردنا أن تسترد دولة القانون واستقرار المجتمع!

نبيل عمر يكتب: عودة قانون الإشتباه
2/2/2013

[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذه الصورة]

قد يكون البلاغ رقم ١٥٧٤ لسنة ٢٠١٣ ضد «البلاك بلوك» صحيحا فى جوهره
من مواطن عادى أفزعته أعمال العنف المفرط التى ضربت المجتمع بقسوة
منذ فترة طويلة، خصوصا فى الذكرى الثانية لثورة ٢٥ يناير، لكن ما ترتب عليه
بسرعة قد لا يمضى على الطريق الصحيح فى مطاردة العنف بالقانون،
وقد ينصب فى خانة «هيبة الدولة المهدرة»!
قطعا العنف هو أكبر تهديد يواجه سلامة الدولة المصرية الآن، وأى تبرير له
أو سكوت عليه هو جريمة مشاركة أو تحريض، لكن هذا لا يمنع أن نناقش العنف
ونقتص من مرتكبيه بأسلوب فعال قادر على تعقبه ومحاصرته، لا بأساليب هى أكبر
إلى رد الفعل الانفعالى فاقد الطاقة والمقدرة على التنفيذ فى أرض الواقع، بإصدار قرار
يطارد شبحا غامضا، فقرار النائب العام بضبط وإحضار جميع عناصر جماعة «البلاك بلوك»
ومن ينضم إليها من عناصر أو يشاركها بأى صورة
كانت بما فى ذلك التزيى بزى عناصر تلك الجماعة.
لا خلاف فى أن ما ترتكبه تلك الجماعة هو جرائم وعنف مهما غلفته بأفكار أو تبريرات،
فلا تبرير ولا مسوغ لأى فعل خارج على القانون،
لو أردنا أن تسترد دولة القانون واستقرار المجتمع!
لكن الجريمة، حسب القانون، هى فعل أى شخص مرتبط بفاعل معروف الهوية
محدد المعالم، وليس شخصا غامضا،
ولا أعرف كيف يمكن ضبط وإحضار شبح، أو تجريم زى معين!
يخيل لى أن قرار النائب العام يشبه قرار الرئيس محمد مرسى بفرض حظر التجول
فى محافظات القناة، فلم ينفذ ولا ثانية واحدة،
ومثل هذه القرارات تفتك بهيبة الدولة وتعجل بتفكيكها.
والمدهش أن القرار يفتح أبوابا واسعة للعنف المجتمعى، فهذه أول مرة
يمنح النائب جهاز الشرطة حق القبض والملاحقة
لكل من يشتبه فيه بأنه ينتمى إلى تلك الجماعة المارقة.
أى عدنا إلى قانون الاشتباه.. وهو ما لم يطبق على البلطجية والمخربين
الذين اقتحموا سجون الداخلية وأقسام الشرطة، سواء أيام ثورة ٢٥ يناير
أو فى الشهور الستة الأخيرة، بل لدينا شخصيات وجماعات تهدد الشرطة
وتعلن نيتها فى القتل وإسالة الدماء، ولم يصدر النائب العام قرارا واحدا بضبط
أى واحد فيها، بل إن الشخص الوحيد الذى فتشوا بيته وعثروا بداخله على سلاح
غير مرخص من جماعة «حازمون» تراجعوا عن ملاحقته قضائيا، بل تصرفوا
بطريقة فيها قدر من الاعتذار والأسف على ما فعلوه.. والشيخ حازم أبو إسماعيل
نصف وقف على قارعة الطريق معلقا: شرطة لازم تتجلد فى الشارع..
دول ماتربوش كفاية.. دول حثالة!
والتهديد موجود بالصوت والصورة على «اليوتيوب».
وكانت الحكاية كلها تداعيات على عملية عنف هائلة هى
«حصار مدينة الإنتاج الإعلامى» لأكثر من أسبوعين،
والاعتداء على أرض دولة وبناء مراحيض عليها!
يا ترى.. ألا تهدد مثل هذه الأقوال أمن الدولة وسلامة المجتمع؟
المدهش أن النائب العام نفسه لم يحرك ساكنا فى حصار المحكمة الدستورية
ومنعها من أداء عملها، مع أن بلاغات كثيرة طرقت أبواب النيابة ضد هذا الحصار.
أليس حصار أعلى محكمة فى مصر وإهانتها هو أخطر أنواع العنف على الإطلاق،
لأنه لا يتعلق بحريق هنا أو تدمير هناك، وإنما هو تقويض
لكل ما يمثله القانون، والقانون هو عماد الدولة الحديثة؟
وبالمرة نسأل: ماذا حدث مع الذين اعتدوا على خيام المعتصمين أمام «الاتحادية»
وسحبوا عددا كبيرا من المواطنين بعضهم سفير وأستاذ جامعة ومواطن عادى،
مع العلم أن المتهمين معروفون بأشكالهم وأفعالهم؟ ولماذا لم يصدر
قرار من النائب العام بضبطهم وإحضارهم أم هم «حماية»!
من الآخر وحتى لا يصطاد الصائدون فى الماء العكر، ليس هذا تبريرا
لأفعال جماعة «البلاك بلوك» بأى حال من الأحوال، فبالقطع نحن ضد
كل أشكال العنف بما فيها العنف اللفظى، ويستحيل أن نستثنى جماعة «البلاك بوك»
من أى ملاحقة قانونية، لكننا نفسر ما يحدث، ونريد من النائب العام أن يلاحق
كل أشكال العنف والخروج على القانون من جماعة أو حزب أو تيار سياسى
، دون استثناءات، فالاستثناء هو دعوة مستترة للغضب والتذمر والعنف للعنف.
ولا أريد أن أعرف كيف تتصرف النيابة مع أى مشتبه به بأنه عضو فى جماعة «البلاك بلوك»،
وكيف تثبت عليه «جرائم» بعينها أو تربطه بها دون أن تقبض عليه متلبسا بارتكابها؟!
نعود إلى جماعة «البلاك بلوك»
ونسأل: هل المطاردة القانونية فقط تحل الأزمة أو تعقدها؟!
هل هى جماعة جريمة.. يعنى تأسست لارتكاب
جرائم كسرقة المحلات ونهب الممتلكات وقتل الأثرياء؟!
فهى لو كانت كذلك.. لكان القانون والمطاردة البوليسية وإدراجها
ضمن جماعات الإرهاب هو الحل الوحيد وتعقب عليه؟!
لكن إذا لم تكن كذلك.. هل يكفى القانون بتعقبها؟!
قطعا.. لا.. ولنا دليل فى جماعة الإخوان، فالجماعة ارتكبت كثيرا من الجرائم
فى تاريخها: قتل وحرق وتفجير، لكنها كانت لأسباب سياسية،
ولم تفلح معها الملاحقة البوليسية على مدى أربع وثمانين سنة.
وبالمناسبة.. ما زالت الجماعة خارج القانون رغم وجودها كأمر واقع.
إذن علينا أن نفهم الأسباب والدوافع لجماعة «البلاك بلوك»
حتى نقطع الطريق على ظهور جماعات على نفس النمط بتفاصيل مختلفة..
وجماعة «البلاك بوك» كما قال لى واحد منها فى رسالة على بريدى الإلكترونى،
وكنت أود نشر الرسالة حرفيا، لكن العامية فيها رديئة وقد لا تفهم.
يقول محمد، وهذا اسمه، وهو فى التاسعة عشرة من عمره، وطالب
فى كلية الصيدلة: «اسمع بقى يا سيدى، أولا حوار قطع المترو هو إحنا
(ألتراس أهلاوى)، أول ناس عملته وقفنا البورصة والحوارات دى، كان آخر يوم
فى امتحاناتى، كان عشان القاضى لو فكر فى مهرجان البراءة للجميع
فى مذبحة بورسعيد، كانت بروفة لما يمكن أن يحدث فى البلد لو حدث هذا، ثانيا..
حاجة ثانية البلاك بلوك، اللى أدخل الفكرة مصر هو ألتراس ميدان التحرير،
وهى صفحة تلم كل الثورجية من الألتراس ومن حركات تانية،
وهى اللى كانت مسؤولة عن حرق مقرات الإخوان فى الفترة الأخيرة،
من ساعة ما بدأ موضوع حرق المقرات، بعد ذلك قبل عيد الثورة بكام يوم،
طلعت علينا الصفحة بفكرة البلاك بلوك، لأنهم خافوا أن يحصل هجوم على المتظاهرين
يوم ٢٥ يناير من الإخوان والميليشيات بتاعتها زى الاتحادية، فقرروا إنه لازم
تكون فيه مجموعات منظمة وجاهزة لصد أى هجوم من الإخوان،
طبعا ده جنب حرق مقرات الإخوان اللى تعتبر مراكز توجيه، والإخوان يشيلون
فيها السلاح بتاعهم، وتخريب الاقتصاد الإخوانى يعنى سلاسل المحلات التابعة للإخوان،
واللى تعتبر من مصادر التمويل، ويملكها كبار رجال أعمال الإخوان زى
(......، .......، .......،)، وطبعا دول عددهم زاد طول السنة اللى فاتت، عموما الناس كفرت بسلمية الثورة،
وشافت أن السلمية ماعملتش حاجة، ولا جابت حق اللى مات، فقرروا أنهم يتجمعون
فى كيان واحد منظم يقدر يواجه الإخوان على الأرض، وأعلنوا فى الأول أنهم مش نازلين
ضد الداخلية، بس الداخلية تتحشر فى كل حاجة وتضرب وخلاص،
والضرب شغال من يوم ما كنا نهد سور مجلس الشورى، لدرجة أنها بقت تضرب
جوه الميدان وفى المحافظات وطبعا قتلت ناس فى السويس وفى ماسبيرو ضربوا الناس
اللى هناك، والاشتباكات شغالة لحد دلوقتى على قصر النيل والكورنيش،
وهم أنفسهم مايعرفوش هم بيشتبكوا مع مين، مع إن ماحدش جه جنب الداخلية
عند ماسبيرو أساسا، أما بالنسبة لبقية المنشآت فدى نقطة مهمة أوى تفرق بين البلاك بلوك
والبلطجية، البلاك بلوك لا يهاجمون المنشآت العامة، لأنه عارف إنها ملكه،
يعنى مثلا حريقة السكة الحديد مش البلاك بلوك اللى عملها، الهجوم على المحلات العادية
وسرقتها، أو الحريق فى أى مكان غير مقرات الإخوان
أو المحلات التابعة ليهم فالبلاك بلوك لا علاقة لهم بها».
انتهت الرسالة الخطيرة الكاشفة، وهى تشى بأشياء كثيرة بعضها بقصد وبعضها دون قصد،
دون أن نغفل أن لا تبرير للعنف ولا قبول له، فهو جريمة نكراء
ومرتكبها مجرم لا يجوز أن يتعلل بأى أهداف عامة.
أولا: غياب الإحساس بالعدالة فى قضايا كثيرة من أول قتل المتظاهرين
إلى الاعتداء على معتصمى «الاتحادية».
ثانيا: ما زالت الهوة واسعة بين قطاعات من الشعب وجهاز الشرطة.
ثالثا: لماذا أسرع النائب العام بتعقب جماعة «البلاك بلوك» دون غيرهم من مرتكبى العنف
والخروج على القانون. من فضلكم اقرؤوا هذه الرسالة مئة مرة، وحللوا كل فكرة فيها،
حتى نضع أيدينا على مصادر العنف ونجففها.. والدعوة للدولة خصوصا للنائب العام.