عالم الإنسان: «2» فوضى الإجابات
من الأسئلة العويصة اللى شغلت الإنسان العاقل، سؤال التاريخ. مين هم أجداده؟ وقد إيه عاشوا على الأرض؟
السؤال دا كان شاغل أوروبا فى بدايات عصر النهضة. سنة ١٦٥٠ الأسقف جيمس أشر أعلن نتيجة حساباته،
وقال بالتحديد إن الخلق حصل سنة ٤٠٠٤ قبل الميلاد. فيه مُحاضر فى علوم الدين فى جامعة كامبريدج، اسمه جون لايتفوت،
كان أدق شوية، قال إن الخلق حصل الساعة ٩ صباحا، يوم ٢٣ أكتوبر من السنة المذكورة.
طبعا أنتِ ممكن تضحكى على الكلام دا دلوقتى، لكن دا كان الرأى المعتمد وقتها. ودى مش عهود سحيقة ولا عهود ظلام.
الرأى دا كان قبل كام سنة بس من إعلان إسحق نيوتن عن قوانين الجاذبية، وكان بعد ٣ عقود تقريبا
من نشر فرانسيس بيكون صياغته لـ«المنهج العلمى فى التفكير». اسألى حواليكى وشوفى الناس هتقولك إيه.
لما ماكانش فيه معلومات علمية دى كانت أفضل إجابة متوفرة.
كلمة «عُمر» تاخد مخنا على طول إلى علم الـ«جيولوجيا». جيو يعنى أرض، جيولوجى ببساطة علم الأرض.
بعد علم التشريح اللى اتكلمنا عنه امبارح. علم الجيولوجيا هو التانى اللى عمل نقلة فى طريقة تفكير الإنسان
فى نفسه وفى حياته على الأرض. على فكرة، الحفريات طول عمرها بتتلاقى، من أيام الإغريق والرومان. بس كانوا بيعثروا عليها بالصدفة،
وكانوا على طول بيعتبروا إنها الحيوانات الأسطورية المذكورة فى الأساطير الإغريقية. لكن علم الجيولوجيا الحديث
تطور مع الثورة الصناعية. طبعا واضح ليه. لأن الإنسان احتاج يعمل حُفر عميقة
علشان يشق ترع أو يحط أساسات لسكك حديد، وعلشان المناجم بتاعة الفحم اللى الإنسان احتاجه لتوليد الطاقة.
عن طريق الملاحظة الأولية، الجيولوجيون الهواة قدروا يكوِّنوا فكرة بسيطة عن وجود طبقات فى الأرض. ومهدوا لعالم عظيم
بالنسبة إلى علم الجيولوجيا بصورته الحديثة، هو «تشارلز ليل»، اللى نشر سنة ١٨٣٠ كتاب «مبادئ الجيولوجيا»
وفيه وضح فكرة -بالنسبة لنا دلوقتى بسيطة وقديمة- إن طبقات الأرض بتتكون من قديم الأزل بنفس الطريقة اللى لسه بتتكون بيها حاليا،
طبقة فوق طبقة. تشارلز ليل كان صديقا مقربا لعالم آخر عمل نقلة نوعية فى موضوع تاريخ الإنسان على الأرض.. عالم اسمه «تشارلز دارون».
الأفكار اللى رسخها تشارلز ليل زى ما قلت أفكار بسيطة بالنسبة لنا دلوقتى. الفكرة الأولى إننا لو قطعنا الأرض
زى ما بنقطع حتة جاتوه. الجزء الأعمق فيها بيكون الأقدم، وبالتالى، وجود أى حفرية فى جزء أعمق من الأرض
معناه أنها حفرية أقدم. طب والكلام دا يزعل حد؟ تصدقى أيوه. يزعل رجال الدين يا ستى. لأنهم لقوا حفريات
بشر على أعماق أكثر بكثير من الـ٦ آلاف سنة اللى كانوا مقتنعين بيها وقتها، وبيقولوا إنها كلام مقدس. خلى بالك!!
النقطة التانية إنهم لقوا حفريات لكائنات منقرضة، موجودة فى نفس الطبقة مع كائنات لسه عايشة. طيب ودا يزعل حد؟
أيوه. يزعل نفس الناس اللى حاشرين مناخيرهم فى كل حاجة وبيدعوا إن رأيهم دا رأى خالق الكون، العارف بكل أسراره. ليه؟
لأنه بيتحدى فكرة الطوفان اللى قضى على البشرية فى وقت معين. ودى كانت الفكرة السائدة لتفسير وجود حفريات،
بعد ما اختفت فكرة الرومان والإغريق إن دى الحيوانات الأسطورية. السؤال هنا كان: إشمعنى الطوفان قضى على الحيوان
دا وماقضاش على الحيوان التانى؟ لا بد من تفسير مختلف للموضوع. السؤال دا بالذات، خلى بالك، السؤال دا
بالذات اللى مهد لفكرة التطور. إشمعنى القطة فضلت والديناصور انقرض (مثلا يعنى)؟
ما دام الإنسان بيسأل بإخلاص، برغبة فى المعرفة، معناها هيتعلم وهيعرف. الأسئلة قائد المعرفة.
السؤال خلى العلماء يبتدوا يعيدوا النظر فى معلومات أقدم شوية. ويسألوا أكتر. عن تطور اللغة، واختلاف أشكال الإنسان
باختلاف البيئات اللى عايش فيها. كمان العائدين من أماكن بعيدة ابتدوا يجيبوا أنواع مخلوقات غريبة عجيبة، لكن،
وحطى تحت لكن دى ألف خط، فيها شبه كبير جدا فى التشريح الوظيفى (شبه مش تماثل)،
وفى الدور الطبيعى، مع نباتات معروفة فى أوروبا مثلا.
لما أوضتك تتزحم بالحاجات بالشكل دا، «المفروض» تعملى إيه؟ المفروض ترتبيها (عملت كده مرة وأنا صغير).
دا بالظبط اللى حصل فى عالم الأحياء. وكانت خطوة عظيمة عظيمة عظيمة إلى الأمام.
[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذه الصورة]