الشيئ المجهول .. د. مصطفي محمود
[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذه الصورة] يستوي أي وقت وأي يوم وأي فصل من فصول العام. وأي سنة من عمري. فالكحل نسخ متشابهة لأصل واحد
ولا شئ غير التكرار.. التكرار الممل.. فحياته تسير.. بلا جديد الغد مثل الأمس والحاضر كالماضي..
لا عمق في احزانه ولا عنف في مسراته.. لا ضحكات ولا دموع..
وإنما بسمات صفراء وأشجان عابرة لا تهز القلب.
وإنه يستطيع أن يتنبأ بما سيحدث كما تتنبأ المراصد بتحركات النجوم..
لأن تتابع حياته أصبح اليا يحكمه قانون جامد صارم لا روح فيه..
هو سيفتح باب العربة القديمة ويتهيأ للنزول.. فينبح الكلب ويقف البواب العجوز يتثائب ويؤدي التعظيم..
هو سيطا المرر المرصوف بالحصي ويصعد الدرجات خمس ويضغط علي الجرس.. فيطل الخادم الأصلع
الذي يؤدي نفس الدور من عشرين سنة.. ليفتح الباب.. ويجري خلفه وهو يعرج ويضئ نور غرفة النوم..
ويمسك قطع الأثاث.. واحدة بعد أخري بنفس الترتيب فهو يبدأ بالشماعة ثم الكرسي ثم الدولاب..
ثم يقف بعد هذا كالتمثال يتلقي المعطف والجاكته وباقي الثياب قطعة قطعة..
يعلقها علي المشجب. ثم يفتح فمه قائلاً نفس الكلمات...
- العشاء جاهز سيدي.. هل تريد شيئاً؟
فيجيب نفس الإجابة
- لا.. وشكرا
وتمر عشر دقائق وتتيقظ زوجته فتتمطي وتتثاءب وتجلس.. ثم تقف في روب النوم.. لتقول الجملة التي لا تتغير
- لقد تأخرت كثيراً هذه الليلة.. إن السهر يؤثر علي صحتك
فيقول في جفاء كالعادة
- أن صحتي ملكي.. وأنا حر أفعل بها ما شاء وقد نبهت ألف مرة ألا يعود الكلام إلي هذا الموضوع
ويحاول أن يغضب في صدق وحرارة.. ولكن هذه الحرارة تنطفئ.
وتتحول إلي مجرد ضجر. وتخونه الكلمات فيسكت..
ويسرح الطرف إلي النافذة المفتوحة حيث الفضاء وحيث المئذنة المضيئة وخفقات الطاحون
تطفو وتغرق الفتنه ويعجز الجمال ويعجز الشعر الاثيث الفاحم والعينان السوداوان والوجه المستطيل
والقوام الشمعي.. ويعجز كل هذا عن أن يحرك فيه ساكنا..
وكأنما العواطف قد ماتت واندثرت في المقبرة كالعادة.
[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذه الصورة]