«تسخين» الرئيس منذ صعوده إلى السلطة، أوقع الرئيس مرسى نفسه فى بعض الأخطاء،
وتسبب فى عدد من المشكلات، لكنه يبدو اليوم مدفوعاً من قوى شتى لارتكاب خطأ كبير.
كان الله فى عون الرئيس، ليس لأن رائحة الحرب تفوح فى المنطقة، والأمن فى مصر مزعزع،
وفى سيناء منهار، ولا لأن الاحتياطى النقدى يتضاءل، والضغوط على الجنيه تزداد،
ولا لأن المخزون من السلع الاستراتيجية ينحسر، والبنوك تحجم عن فتح الاعتمادات لتمويل الواردات،
ولا لأن الدول المانحة تتراجع عن وعودها بتقديم المنح والمساعدات، والمقرضين الدوليين يتشددون فى مطالبهم،
ويماطلون فى الوفاء بتعهداتهم، ولا لأن البلد يقف مشلولاً على رصيف «خناقة» عبثية على الدستور،
والشارع يغلى تحت ضغط الانفلات وتفاقم العجز المالى ومعه المطالب الفئوية المتصاعدة...
ولكن لأن هناك من يريد أن يرى الرئيس عالقاً فى أزمة، يمكن دخولها بسهولة، أما الخروج منها فلن يكون سهلاً أو آمناً بالمرة.
اتخذ الرئيس قراراً جريئاً، للرد على العدوان الإسرائيلى الهمجى على أهلنا فى غزة أمس الأول «الأربعاء»،
لكن مانشيت إحدى صحف القاهرة فى اليوم التالى «الخميس»، كان: «مرسى لم يدافع عن غزة ولم ينقذ سيناء».
بعض كُتاب المقالات لم ينتظروا قرار الرئيس، فكتبوا فور اندلاع العدوان: «مرسى يضرب غزة»،
أو «مرسى لا يختلف عن مبارك»، أما بعد قراره بسحب السفير من إسرائيل، فراحوا يباركون،
دون أن ينسوا القول إن «القرار ليس كافياً».
سياسيون ليبراليون وإسلاميون ويساريون فعلوا الأمر نفسه، وطالبوا الرئيس بـ«طرد السفير الإسرائيلى، وقطع العلاقات»،
حزب الرئيس أيضاً يعتقد أن «مصر تغيرت بعد الثورة»، وبالتالى سيكون ردها مختلفاً تلك المرة.
ليت الأمر يقتصر على ذلك؛ إذ ذهب «حلفاء» الرئيس من الجماعات الدينية الأشد محافظة إلى ما هو أبعد؛
إذ قال سلفيون إن «كافة أبناء المنهج السلفى رهن إشارة سيادة الرئيس.. فإما أن نحيا أعزاء، أو نموت شهداء».
أما الداعية الإسلامى الدكتور وجدى غنيم؛ فقد كان أكثر وضوحاً، إذ رأى أن «النهضة لن تحدث أبداً من دون حماية فلسطين،
بل وتحريرها، وتحرير سوريا»، قبل أن يطالب بـ«فتح الحدود فوراً، وإرسال الشباب والسلاح للجهاد.. ولتكن حرباً عالمية».
يريد الدكتور وجدى حرباً إذن، وهو نفس ما أرادته إسرائيل؛ إذ أعلنت بوضوح على
وزير الحرب إيهود باراك
أن «العملية العسكرية ضد غزة فى بدايتها»، قبل أن تجيش الحشود على الحدود مع غزة ومصر.
الأصدقاء الأوفياء للرئيس فى فلسطين أيضاً يرون، على
إسماعيل هنية، أن «مصر لن تصمت على أى هجوم
تنفذه إسرائيل على قطاع غزة»، وهو تصريح لا يبدو مختلفاً فى تأثيره عن تصريح باراك، الذى حذر «الدول المجاورة»
من «التورط فى المعركة»... فالتصريحان يؤديان إلى تعزيز دوافع الرئيس لاتخاذ قرارات حادة حيال الأزمة.
يريد نتنياهو، الذى دعا إلى انتخابات مبكرة، أن يجنى الأصوات عبر إراقة دماء الفلسطينيين، وتريد إسرائيل
خلق أوضاع على الحدود تمكنها من إنجاز ترتيبات استراتيجية على حساب سيادة مصر على سيناء،
ويريد النظام السورى سحب الأضواء عما يجرى فى بلاده، وتريد «حماس» حلحلة قضيتها،
ويريد بعض حلفاء الرئيس الإسلاميين المزايدة عليه، ويريد بعض خصومه توريطه أو إحراجه،
فيما الشعب المصرى يريد للفلسطينيين الحرية والسلام والكرامة... ويريد أيضاً أن يعيش.
يبقى أن بيريز قال معلقاً على الأزمة: «على الساسة الصمت، وإفساح المجال للجيش لكى يتصرف مع غزة»،
وهو توجيه استراتيجى يبدو مستنداً إلى ثقة وقوة فى آن واحد، ويبدو أيضاً عكس ما نفعله،
أو نقدر على فعله؛ إذ سيتكلم ساستنا، و«يسخّنون» الرئيس،
دون أن يعنى هذا أن لدينا من يملك القدرة على التصرف راهناً مع إسرائيل.
سنكون قادرين يوماً على الدفاع عن كرامة أمتنا، وصون سيادتنا على ترابنا، وحماية أشقائنا فى فلسطين،
ومقارعة إسرائيل ومن يقف وراءها، لكن هذا اليوم لم يأتِ بعد، وأمامنا نضال طويل لكى نبلغه.. فلا تتعجلوا رجاء.
[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذه الصورة]