يخطئ من يعتقد أن الموضوع يدور حول رفض الديكتاتورية وتحصين القرارات الرئاسية إلى آخره، الصراحة
-على الأقل بالنسبة إلىّ- أن الموضوع الأصلى هو أن الواحد لا يطيق فكرة حكم الإخوان، ويؤمن تماما
أن الثورة يوم أن قامت لم يكن طموحها أن تكون مدرسة الإخوان هى التى ترسم مستقبل البلد،
ولو كان الشهداء يعلمون أن هذا ما ستؤول إليه الأمور لربما فكروا مرتين قبل أن ينزلوا من بيوتهم،
أنا من كثيرين يرون الإخوان شركاء فى الوطن، أعظِّم جهودهم الخيرية وأنحاز إليهم إذا ما تعرضوا للظلم والقهر،
لكننى لا أومن بطريقتهم، وأراهم يسيرون فى خط مُوازٍ للوطن دون أن يذوبوا فيه، هم الأخ الذى تحترم تجربته
دون أن يَرِد فى خيالك أبدا أن تسلِّم له مفاتيح البيت لأن البيت أكثر تعقيدا من فكرة عمرها ثمانون عاما
وأكثر اتساعا من خيال هذا الأخ، كما أن هوية البيت هى القوسان،
والأخ مجرد واحد من عشرات آلاف العناصر الموجودة بينهما.
كانت هذه هى الرؤية قبل الثورة، وبعدها تأكَّدَت الفكرة، ولا مجال هنا لاسترجاع كل ما أحدثه هذا الأخ فى البيت
من ارتباك ببحثه المحموم عن مصلحته، وإيمانه الشديد بأنه الوحيد الذى يعرف المصلحة، الأمر الذى جعل أداءه
كله مغلَّفا بالتعالى على بقية أهل البيت، بل إن تعاليه جعله ينقض وعوده بسهولة، وزاده الله عمًى فبسط له
نعمة القدرة على خلق المبررات لنقض الوعود، بل إنه خوّن وخاض فى الأعراض واتهم بالباطل، الحقيقة
أنه لم يتورط فى تكفير الآخرين لكنه لم يمانع فى أن يكون هذا الأمر سلاحا فى يد أصدقائه.. ومَن أصدقاؤه؟ شوف انت.
الأمر ليس وليد الإعلان الدستورى، كنا نتقبل التجربة على مضض فى محاولة لمنح الفرصة للمركب أن يسير،
لكن المضض أخذ يتعاظم حتى انفجر، وحتى بعد الانفجار لا يزال الأخ يتهاوى بمهارة فى مشهد بائس للغاية،
طاقم مستشارين يطلون من الشاشات ينفون أنهم شاركوا فى صياغة الإعلان.. أى أن الرئيس عيَّنهم
وصرف مرتبات من أموال الدولة ليقنع الشعب بأنه ديمقراطى متوافق، بينما فى الحقيقة -ومع كامل احترامى لهم
- كان معظمهم فى عداد الديكور.. الملايين فى الشوارع والاشتباكات فى كل مكان، والمبرراتية يردون بأن الشعب
يوافق على الإعلان فى الاستطلاعات الإلكترونية، الاستطلاعات التى تمت فى شبكة إخبارية تنشر فى
اليوم خمسين خبرا ومئة تصحيح لهذه الأخبار، وفى جريدة ضرب شباب الإخوان رئيس تحريرها علقة
أمام مدينة الإنتاج الإعلامى، وبدلا من التعامل مع الحشود بحكمة تطل الجوقة لتقول إنها تستطيع أن تحشد
أضعاف أضعاف من فى الشوارع، إذا كنت تستطيع حشدهم فى الشوارع فمن الأكيد أنك حشدتهم من أجل الاستطلاعات إياها.
يصدُر الإعلان صادما ثم يصدُر بيان مفسِّر أشبه بضربة قاضية، ثم يتم اختزال الأمر فى البرادعى وحمدين صباحى،
دون أن يفهم الإخوان أن الحشود هى التى تحرك حمدين والبرادعى، نحن فى وطن لا يعرف الحشد للتأييد
إلا فى أشد أيام النفاق للحاكم، الحشد للمعارضة بالفطرة، وعلى الهامش تنهار وعود الرئيس فى ثوانٍ، فإعادة المحاكمات
كانت جملة لكسب المشاعر ثم اتضح أنها قول من لا يملك، وموضوع «رئيس لكل المصريين» انكشف فى خطاب للواقفين
أمام بيت الرئيس، موضوع «رئيس لكل المصريين» هو -مع احترامى- مغالطة كبيرة، الرئيس إخوانى حتى
فى انحيازه العربى، فهو يقف مع غزة لأنها على جدول الجماعة، ويترك آلاف العائلات السورية تنام فى عراء
حدائق أكتوبر بلا مأوى لأنها ليست فى الكتالوج، حتى خطابه فى ذكرى حرب أكتوبر التى هى ملك لنا جميعا
تحول الحدث إلى حشد إخوانى فى جنبات استاد القاهرة، حتى السيدة الفاضلة حرم الرئيس -وأرجو أن تكون
المعلومة خاطئة- سافرت لتعزّى فى إسلام، شهيد إخوان البحيرة، ولم تفكر فى تعزية شقيق له مات قبل أيام فى الميدان..
بلاش «جيكا»، لم تذهب لعزاء أهالى أطفال قطار أسيوط، حتى يوم قيل مشروع الخلافة وعاصمته القدس بينما مصر
إقليم فيه لم يفكر الرئيس فى أن يدافع عن هذه الفكرة التى تلغى وطنا هو حجر الأساس الذى قامت عليه كل الدول المجاورة.
لم أكن أريد الخوض فى هذه التفاصيل التى ربما تعطى انطباعا بالتربص، لكن لا يمكن تجاهلها أيضا.
وددت فقط أن ألفت النظر إلى أصل الموضوع، وهو رفض حكم الإخوان، فبخلاف كل ما سبق
فإن بين طموحهم وطموح الوطن كله فجوة كبيرة، لكن كلى ثقة أن الأمور ستؤول إلى خير،
فإذا كان مقدَّرًا لهم الرحيل عن رأس السلطة كان خيرا، وإذا كان مقدرا البقاء وتعلموا الدرس وأعادوا
صياغة حساباتهم على مقاس مصر لا على مقاس الجماعة كان خيرا، وإن لم يفعلوا كان خيرا فقد حصلوا
على الفرصة كاملة وعلينا أن نتعلم كيف نتفادى تكرار ذلك. الشىء الوحيد الذى أتفق فيه معهم
أن الثورة كانت من عمل الله، وهذا ما يُشعِرنى بالطمأنينة، فما بدأ باسم الله لا بد أن ينتهى باسم الله.
[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذه الصورة]