المتابع لتصريحات قادة وكوادر جماعة «الإخوان المسلمين»، يلحظ بوضوح مدى تخبطهم وتلجلجهم
(اللفظ مقتبس من خطبة لمرسى) فى مواجهة المعارضة السياسية والهبة الشعبية ضدهم، فصاروا يرددون ليل نهار،
وكأنهم يقرؤون من «كتالوج» موزع عليهم جميعا، أنهم يتعرضون لـ«مؤامرة كونية»
تسعى إلى الإطاحة بهم وبرئيسهم عن سدة الحكم، و
حالهم يقول «يا فرحة ما تمت».
بعد يوم واحد من خطاب محمد مرسى الأخير، والذى نثر فيه يمينا ويسارا اتهامات خطيرة عن «اعترافات»
أدلى بها المتظاهرون الذين اختطفتهم «ميليشيات الإخوان» من محيط قصر «الاتحادية»، تدل على وجود ارتباط
بينهم وبين رموز وقوى سياسية، وأن تلك القوى تتولى تمويلهم وتسليحهم (حسب قول مرسى) لهدم «الشرعية»،
خرج علينا أكبر رأسين فى «الجماعة»، هما مُرشدها العام محمد بديع ونائبه خيرت الشاطر،
ليكررا بصورة ممجوجة الاتهامات نفسها، بل ويدلى الشاطر بمزيد من «المعلومات»
عندما يقول إن أطراف «المؤامرة» المزعومة هى شخصيات سياسية معارضة فى الداخل،
ودول خليجية، ومصريون يقيمون فى لندن.
يُراهن قادة «الإخوان» على غياب وتغييب العقل عن تابعيهم، لكنهم لا يمكن أن يلغوا عقل وذاكرة الشعب المصرى كله،
الذى يتندر الآن بأن ما تردده «الجماعة» الآن، هو نفس ما كان يردده قادة النظام السابق وحزبه المنحل،
قبل الثورة الشعبية التى أطاحت بهما. فأى مناقشة موضوعية هادئة لاتهامات «الإخوان»،
لا يمكن أن تكون فى صالحهم، لذلك تجدهم يثيرون الصخب عبر حديث وفكر وفقه «المؤامرات»،
لعل الناس البسيطة تنخدع بهذا الهجوم الكاسح للثلاثى الإخوانى الأبرز: مرسى وبديع والشاطر.
حديث «الإخوان» واتهاماتهم لا يقدمون عليهما دليلا واحدا، يمكن أن يسوقوه إلى النائب العام لينظر فيه
ويتخذ الإجراءات القانونية ضد من تشمله، حتى إن النيابة العامة اضطرت إلى الإفراج عن كل الشباب
الذين ألقت «ميليشيات الجماعة» القبض عليهم (لاحظوا هنا أن النائب العام ليس المستشار عبد المجيد محمود،
بل هو سلفه المستشار طلعت إبراهيم الذى عيّنه الإخوان)، وهكذا لم تفلح «الجماعة» حتى فى «طبخ» الاتهامات،
لتثبت أنها تشبه النظام السابق حتى فى «الفشل»، عندما كان يحاول إلصاق اتهامات «المؤامرة» و«العمالة» بمعارضيه،
وقت أن كانت «جماعة الإخوان» تقف ضمن صفوف هؤلاء المعارضين.
لنحسبها بالعقل، إن كان لا يزال له مكان حاليا، بعد أن فقدت تصرفات «الإخوان» كل منطق،
وأوصلت الوطن كله إلى حافة المصح العقلى، هل قادة المعارضة السياسية الحالية هم «عملاء وخونة للوطن»،
يسعون إلى الاستقواء بالخارج لإسقاط حكم «الجماعة» ورئيسها؟ ثم هل هم على علاقة وثيقة بأى من الأطراف الخارجية الفاعلة
على الساحة السياسية المصرية والإقليمية والدولية، تسمح بأن تؤيدهم تلك الأطراف فى محاولتهم لإسقاط حكم «الإخوان» فى مصر؟.
الثابت أن هذا الرئيس تسلم مسؤوليته من المجلس العسكرى بضغوط أمريكية واضحة، ثم أطاح بقيادات ذلك المجلس
برعاية أمريكية أيضا، ولم تخرج من الولايات المتحدة أى كلمة أو موقف يعبر عن عدم رضا «سيد البيت الأبيض»
عما يحدث فى مصر من قمع للمعارضة، ومن تجبر الرئيس وفرعنته، وتغول «الجماعة» وسعيها إلى إراقة دماء المصريين،
سواء من شباب المعارضة أو من أعضاء الجماعة (لا يخدعك بكاء قادتهم على دماء من سقطوا
فى أحداث قصر الاتحادية، فأحد أنصارهم يقول إنهم مستعدون لتقديم مليون شهيد، طبعا ما دام الأمر بعيدا عنه).
لكن دعونا من ذلك كله، فاللاعب الأساسى فى السياسة الخارجية الأمريكية هو حليفها المدلل «إسرائيل»،
الذى تضبط كل مؤشراتها ومواقفها على إرضاء رغباته وإشباع نزواته، وتحدد مواقفها من أى دولة أو نظام فى العالم،
وبالذات فى منطقتنا، وفقا لمدى علاقة هذا النظام أو تلك الدولة بذلك الكيان العنصرى البغيض.
فما موقف القيادة «الإخوانية الثورية» من هذا الكيان؟ هل ضبطناها فى أى لحظة، سواء على مستوى قادة «الجماعة»
أو ممثلهم فى «قصر الاتحادية»، تجاهر بموقف حقيقى معادٍ لإسرائيل؟ وألم يطلق مرسى «إعلانه الدستورى»
الذى قسم البلاد، بعد ساعات فقط من نجاح وساطته بين «تل أبيب» وحركة «حماس»، وثيقة الصلة بالإخوان،
لوقف إطلاق النار، وكأنه يجنى ثمار تلك الوساطة على حساب دماء المقاومة الفلسطينية،
بصمت الأمريكيين على إعلانه؟ ثم هل من بين قادة المعارضة المصرية
من خاطب رئيس الكيان الصهيونى بعبارات مثل «صديقى الحميم»؟.
وبمناسبة حديث «الدول الخليجية» المشاركة فى «المؤامرة» المزعومة على الرئيس مرسى،
ماذا عن دور دويلة قطر حليفة «الإخوان» وفضائيتها «الجزيرة»، التى يقارن المصريون الذين لا يمكن «استغفالهم»
وتجاهل ذكائهم، بين موقفها فى أثناء «ثورة يناير»، وموقفها مما يحدث فى مصر الآن؟
وماذا أيضا عن موقف السعودية التى يكره حُكامها كلمة «ثورة» خشية انتقال «عدواها» إلى بلادهم،
وينفقون الأموال الطائلة على الجماعات السلفية فى مصر، لإبقاء الوضع تحت السيطرة «الوهابية»،
حتى لو رجعت البلاد قرونا إلى الخلف والتخلف؟
أسئلة كثيرة نرجو أن يخرج «إخوانى» واحد ليرد عليها، لكن بالعقل والمنطق.. لا بأسلوب ومنهج «السمع والطاعة»،
الذى ربت «الجماعة» أعضاءها وعودتهم عليه، لذا تفاجأت أن المصريين فيهم من لا يزال متمسكا بإعمال عقله..
أو ليس هو نعمة ربنا علينا؟!