الثلاثاء 18-12-2012
[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذه الصورة] حدثت بالمقال السابق عن ثلاثة معايير للحكم على دساتير الدول الحديثة التى تنشد الحكم الديمقراطى،
وكانت متعلقة بالجمعية التأسيسية وضرورة التوافق على تشكيلها، وخطورة الاحتكام للصناديق
قبل اتفاق القوى السياسية وحدوث أكبر قدر ممكن من التوافق حول الدستور،
ثم خطورة وجود وصاية دينية أو عسكرية على مؤسسات الدولة المنتخبة.
واليوم أستكمل الحديث عن المعيار الرابع المتصل بوجود مؤسسات حكم منتخبة لا تتجاوز
أسس الحكم الرشيد المتعارف عليها بالديمقراطيات المعاصرة، وهى وجود ضمانات لحكم القانون
والمساواة أمامه، واستقلال القضاء وحياده، ووجود هيئات رقابية مستقلة، بجانب وجود فصل
وتوازن فى صلاحيات مؤسستى التشريع والتنفيذ. وأعتقد أن باب نظام الحكم حقق الكثير من هذه الأمور
وكان بالإمكان تعديل بعض الأمور الأخرى. وبشكل خاص
فقد تم تقييد صلاحيات الرئيس بوجود صلاحيات حقيقية لرئيس الوزراء،
واشتراط موافقة مجلس الشورى على تعيين الرئيس لرؤساء الهيئات المستقلة والرقابية،
وهذا ضابط معمول به بالكثير من الديمقراطيات. ولم توضع الصلاحيات الاستثنائية
للرئيس التى كانت بالمادة 74 لدستور 71 ولا سلطة التفويض فى المسائل العسكرية،
وصار عليه تقديم إقرار للذمة المالية سنوياً، ويشترك مجلس النواب
ومجلس الدفاع معه فى مسألة الحرب، ويجب موافقة مجلس النواب على حالة الطوارئ.
ما قد يثير مشكلات بالمستقبل هو مجلس الشورى من حيث تشكيله ومن حيث ضرورة موافقة المجلسين
على كل مشاريع القوانين ما قد يؤدى لتأخر التشريعات. طريقة وصلاحيات الشورى وعلاقته بالنواب
كانت تحتاج أن يعاد النظر فيها. وبالدستور إيجابيات وسلبيات أخرى ربما نعود لها
ولا سيما فى الحريات والمواطنة وتعديل الدستور، لكنى أود أن أختم بملاحظتين:
الأولى: أن هذا الدستور كان يستحق نقاشاً أوسع وفى جو مختلف تماماً عن الاستقطاب الحالى.
للأسف لا يوجد الكثير من العرض الموضوعى لإيجابياته وسلبياته من معظم المؤيدين والمعارضين،
لقد سمعت وشاهدت وقرأت تأييداً لا يذكر سلبية واحدة وكأن الدستور أنزل من السماء،
كما سمعت وشاهدت وقرأت معارضة غير منصفة وغير موضوعية وكأن الشيطان هو الذى كتب الدستور!
وخاض أنصاف المثقفين فيه بطريقة يُرثى لها! كما أن الإجراءات
التى صاحبت المشروع والاستفتاء شابها سلبيات كان من الممكن تجنبها.
الثانية: تنفيذ نصوص الدساتير الجديدة فى الواقع يتعلق بأمرين متكاملين:
الأول، حزمة القوانين المكملة للدستور والتى يجب أن تستكمل أهداف الثورة وتبنى دولة القانون
وتفعّل المؤسسات البرلمانية والمحلية والرقابية، وتضع الضوابط -وليس القيود- اللازمة للتمتع بالحريات.
الأمر الثانى هو عمل كافة الأحزاب على الأرض استعداداً للانتخابات، وتقديم كوادر وطنية
قادرة على تشكيل برلمان قوى وحكومة قوية، يضعان المصلحة الوطنية الجامعة
فوق كل اعتبار ولا يعيدان إنتاج الممارسات التسلطية القديمة. كان الله فى عون الشعب
الذى قام بثورة رائعة، لكن نخبته تكاد تقتل الثورة بقصر نظرها. لكن أخطاء النخبة تؤخر الخلاص
وترفع تكلفة التغيير فقط لأن الشعب يظل ضمانةً حقيقيةً ضد أى إقصاء أو خروج على أهداف الثورة.
وأخيراً، أدعو الله أن يخيّب ظنى فى أن الاستفتاء فى ظل الاستقطاب الحالى -بنعم أو لا-
لن يحل اختلافات النخب وإنما يصدّرها إلى الشارع ليزداد الأمر سوءاً واستقطاباً.
[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذه الصورة]