خبيرة التنمية البشرية رانيا المريا تكتب عن: كيف نتفق على الاختلاف ونختلف بتوافق
[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذه الصورة] هل الاختلاف فى الرأى يجب أن ينتهى بخلاف، وهل كل من ليس معى فى الرأى حتمى أن يكون ضدى؟؟؟
فى البداية يجب أن نحدد الفرق بين اختلاف الرأى واختلاف الرؤية، فالرؤية هى الطموحات
والآمال فى المستقبل والتى لا يمكن تحقيقها فى ظل الموارد الحالية، فالرؤية تصف الناس
ليس كما هم الآن ولكن كما يرغبون ويتطلعون فى المستقبل، أما الرأى فهو يمثل وجهة النظر
تجاه أمر من منظور ووجهة محددة فيمكن أن يكون الرأى ملائم من وجهة النظر الاقتصادية
ولكنه غير ملائم من وجهة النظر السياسية، فالرؤية يمكن أن تكون لمستقبل مصر
كدولة مدنية ديمقراطية مزدهرة اقتصاديا ومستقرة سياسيا وأمنيا تنعم بالحرية والرخاء والعدالة الاجتماعية.
أما وجهة النظر تكون حول موضوع محدد من منظور بعينه؛ مثل وجهة النظر حول التظاهر
فمن المنظور الاقتصادى هو خيار غير ملائم ووسيلة تؤدى إلى عدم الاستقرار وتوقف عجلة الإنتاج،
أم من المنظور السياسى فهو خيار ملائم لاستكمال مطالب الثورة ووسيلة للضغط
لتنفيذ المطالب فى أقصر فترة زمنية، أو الاختلاف حول صياغة
مواد فى الدستور ولكن فى النهاية الرؤية واحدة نريد دستور يحقق العدل....
وما نراه اليوم من اختلافات تطفوا على سطح المجتمع المصرى مؤخرا ما هو إلا اختلافات
فى أراء حول تفاصيل تحقيق الرؤية الواحدة التى يجتمع عليها الجميع، ولكى نصل إلى هذه الرؤية
يجب أن نسعى إلى التوافق وتقبل اختلافنا ومحاولة جعل هذا الاختلاف فرصة لتعدد الأفكار والبدائل
وإثراء لثقافة الاختلاف ولمفهوم التقبل، لأن التقبل لا يعنى القبول، كما أن الإختلاف لا يعنى الخلاف،
فيمكن أن اتقبل الرأى المخالف لى وأنا لا أقبله كما فعل الرسول صلى الله عليه وسلم فى قوله،
"لكم دينكم ولى دين" فهو لا يقبل غير دين الإسلام ولكنه تقبل عدم قبول الآخر لدين الإسلام،
وهذا فى العقيدة فما بالكم فيما دونها، فدعونا نأخذ مثال حى وصارخ للاختلاف
بيننا الآن ما بين نعم ولا على الدستور، وسنجد الاجابة واحدة عند سؤال أى الطرفين،
هل تريد الاستقرار والمصلحة والخير لمصر؟
بنعم ولكن الاختلاف سيكون فى تفاصيل تحقيق هذا الاستقرار.
فالاختلاف يا سادة لا يعنى أن ما دون رأيك هو الخطأ فرأيى صواب يحتمل الخطأ
ورأى الآخر خطأ يحتمل الصواب، وبهذا المفهوم نستطيع أن نعطى لأنفسنا مساحة للتعرف على الرأى المخالف
وهذه هى الخطوة الأولى فى طريق التوافق... فكى أستطيع أن أحدد رأيى فى وجهة النظر المخالفة لى،
يجب أن أعرفها أولا، وأعطى فرصة لمن يخالفنى أن يطرح أفكاره بصورة واضحة،
ولن يسنح له هذا إلا بالإنصات الجيد منى له من خلال الاستماع إلى بعضنا، ومن ثم تكوين الرأى
ووضع محاور الإقناع عند الدخول فى النقاش والحوار لإقناع الطرف الآخر بوجهة نظرنا المختلفة،
أو إلى التوصل إلى نقطة التقاء ما بين وجهات نظرنا المختلفة. وليس القوة فى العناد والتصلب فى الرأى
، والجمود فى التفكير، خاصة لو كان ذلك الرأى غير سليم، أو لا يتماشى مع المنطق والعقل،
أو غير مناسب فى الوقت الحالى وليس البديل الأمثل فى الظروف التى تحيطه،
فعلى النقيض أن القوة تكمن فى المرونة وسرعة التكيف مع الظروف
والمستجدات واختيار البديل الأمثل للوصول إلى الهدف...
و لكن كيف السبيل إلى هذا التوافق؟؟؟ هل يكفى تفهم وجهات النظر المغايرة ليحدث توافق
وتفهم النية الإيجابية وراء هذا الرأى، أم هى بداية لمرحلة أخرى تسمى التفاوض
وهى الوصول إلى ما يهم كلا الطرفين بالفعل من كلتا وجهتى النظر المختلفة وجمعهم
فى إطار جديد يجمع المصالح المشتركة مع بعض التنازلات من الطرفين
لما يراه كل طرف ليس له أهمية بالنسبة له.
ودعونا نتحدث على المثال نفسه لوجهتى النظر نعم ولا للدستور، فبتوجيه التساؤل إلى جانب نعم
عن ماذا يهمك فى هذا الوقت العصيب لمصر واحتياجها لكل سواعد ابنائها من أجل البناء،
ساتخيل الاجابة من أجل استكمال حلم الثورة والوصول إلى دولة مدنية والحفاظ على حقوق أهالى الشهداء
ومصابى الثورة والقصاص ممن تسببوا فى هذه المأساة
وإنهاء مظاهر الفساد وإنهاء المحاكمات للنظام السابق وأعوانه.
وبالتوجه بهذه الاهتمامات إلى جانب لا فلن تجد أى معارضة على المبدأ، و لكن بالتساؤل
لجانب لا ما يهمك فى هذه الفترة سأتخيل الرد من أجل الحفاظ على أمن واستقرار البلد وإنهاء الفترة الانتقالية
بهدوء وسلام ومن ثم الوصول إلى حلم كل مصرى
بدولة مدنية ديمقراطية حرة ونبدأ فى طريق التنمية والبناء.
فعندئذ سيكتشف الطرفان أن الهدف واحد والاختلاف لا يصل بنا إلى شىء سوى العرقلة والتشتيت
عن الهدف، وتبقى المرحلة الأخيرة فى طريق التوافق، وهى الاتفاق على الإطار التوافقى الجديد
والعمل على تحقيقه من خلال مراحل محددة من تقبل الاختلاف ثم الاستماع بإنصات لفهم الاختلاف
ثم النقاش والحوار للإقناع بالرأى المخالف ثم التفاوض للالتقاء فى إطار توافقى ثم تحقيق الهدف
وبهذه المراحل الأربعة نستطيع الوصول إلى أن نتفق على الاختلاف
ونختلف بتوافق ونحقق المقولة التى نسمعها دائما الاختلاف فى الرأى لا يفسد للود قضية.
[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذه الصورة]