لو كان خصمكِ فى الشطرنج شريرا، فتأكدى أنه سيحقق أمامك نتيجة أفضل كثيرا من قدراته.
إما أن يصمد لفترة أطول قبل أن ينهزم، وإما أن ينتصر تماما. لماذا؟ هذا سؤال تاريخى، ومعرفى، ومستقبلى..
وهذا فى نظرى هو السؤال الفلسفى الأهم فى هذه المرحلة من تاريخ مصر،
وإلا فسيحدث ما حدث على مر التاريخ كما ذكرت أعلاه. ولهذا أسباب:
[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذه الصورة] أولا: ستلتزمين بقواعد اللعبة. أما الشريرة فلن تلتزم. ثانيا: ستحسنين الظن بها، أما الشريرة فستسىء الظن بك. سيؤدى هذا إلى يقظتها، بينما قد تَغفلين. كما أنها ستتهمك اتهاما وراء اتهام، بدافع من سوء ظنها بك. تكرار الاتهامات سيؤثر عليك سلبيا، وسيدفعك إلى محاولة طمأنتها -وترييح دماغك- بتقديم تنازل وراء تنازل. ثالثا: قد تصل الأمور إلى تهديدك بالعنف الجسدى لو انتهت اللعبة بانتصارك. لن تقول الشريرة هذا صراحة، بل ستدّعى أنها ستفعل ذلك عقابا لك على «الغش» -أى والله- ودفاعا عن «العدل» فى اللعبة. هذا سلوك لصيق بالأشرار، يسمونه فى علم النفس «الإسقاط»، ويعبّرون عنه فى الثقافة الشعبية بطريقة أكثر تفصيلا: «القحـ.. تلهيك وترزيك وتجيب اللى فيها فيك». رابعا: ستلعب على نقاط ضعفك «الخيرة». قد تقنعك فى نقطة بأن لا تأكلى وزيرها لكى تشجعيها على الاستمرار. ستعترف فى هذه النقطة بضعفها أمامك. فى نقطة أخرى قد تطلب منك الرجوع عن لعبة بعد أن اكتشفت ضررها، وقد تستجيبين بـ«طيبة». هنا أعود مرة أخرى للسؤال: ما الخير؟ وما الشر؟
إليك المفاجأة. الخطأ هنا -من وجهة نظرى- نابع من افتراض أنك تمثلين الخير وأن منافستك
تمثل الشر، بينما، دون أن تدرى، قد تكونين مجرد جندى فى صفوف «الشر» المقابل.
لاحظى أنى أضع الشر بين قوسين لأنه نسبى. كل طرف يفترض فى نفسه الخير.
سأعطيك مثالا: يقول لك شخص بوضوح إنه لا يعترف بالديمقراطية. لكنه يقول إنه سيلتزم بها
فى هذه المرحلة، لأنه يعلم أنها مفيدة له. ترضين بهذا. أنت إذن مجرد أداة فى يد العداء للديمقراطية
(أداة فى يد الشر من وجهة نظرى، وفى يد الخير من وجهة نظر الإسلامجية). التصرف الخيِّر هنا هو استثناؤه
من العملية الديمقراطية التى لا يعترف بها، بناء على رغبته. والاتفاق معه على قواعد اللعبة -أيا ما تكون-
قبل الدخول فيها. الخير هو إقرار قواعد اللعبة، وضمان أن يلتزم بها كل الأطراف،
أى قواعد للعبة، نعرفها، ونتفق جميعا على الالتزام بها.
إن وقف «س» من الناس وقال «إننى لا أعترف بالقضاء وإنه فاسد، وإننى سآخذ القانون بيدى»،
وإنه يجهز ١٠٠ ألف جندى للهجوم وتنفيذ وجهة نظره (يسميها نصرة الشرعية وهو يحاصر الدستورية.. يا خىّ...).
لا بد أن نعتبر أن هذه هى الشريعة الجديدة فى نظر هذا الشخص،
التى يجب أن يخضع لها هذا الشخص، وأن نتعامل معه حسبها.
أعود إلى سؤالى الذى عنونت به المقال. لماذا ينتصر الشر دائما؟
لأنه يعترف بالقانون حين يريد، ولا يعترف به حين يريد، ولأنه يجد فى المعسكر المقابل له مِن «حسنى النية»
مَن يُعِينه على الاستفادة من القانون حين يريد، ويعجز على حمله على الالتزام به حين لا يريد،
لأنه إذ يرفع المصاحف فوق أسنَّة الرماح وقت الهزيمة يجد فى الطرف الآخر مَن يُغمِد السيوف قبل تثبيت حالة النصر.
ليس إذن صراعا بين خير وشر، بل صراع بين وجهة نظر ووجهة نظر. الانتصار لوجهة نظرك
هو الخير بالنسبة إلى أنصارك. الانتصار للقانون هو الخير بالنسبة إلى أنصار القانون، بشرط، أن
تضمنى الانتصار للقانون فى كل الأحوال. سواء فى حصار الدستورية أو فى إلقاء القبض على إرهابى.
وأن يكون لدى القانون من الآلات ما يحمل أعداء القانون على الانصياع له. فى غياب ذلك،
فى ظل عجزك عن فعل ذلك، لا تدخلى فى المعمعة. دعى أعداء القانون يتصرفوا معًا.
أى ميوعة فى هذا تعنى انتصار الشر، وتعنى أنك -يا حقوقية-
كنت أداة فى انتصار الشر، بمنتهى حسن النية أو سوئها، لكن الأكيد، بمنتهى الحمق.
فى المساحة بين الخير المطلق السابح فى الهواء، والخير الذى يحقق مصلحة المسالمين
المستحقين للدفاع عنهم، تعمل السياسة، فلا تحتقريها.
[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذه الصورة]