<p>التنافر المعرفى (Cognitive Dissonance) هو ظاهرة الإحساس بالانزعاج النفسى والذهنى بسبب تعرُّض الفرد لمعلومات أو حقائق جديدة
<p> تتعارض مع ما يعتبره من الثوابت العلمية أو الثقافية أو الروحية أو الآمال والطموحات التى استقرت فى ذهنه.
<p>ومنذ أن صك Leon Festinger هذا المفهوم
<p>عام 1956 أثناء دراسته لإحدى المجموعات الدينية (cult) أصبح شائعا فى تفسير السلوك البشرى للجماعات بصفة عامة.
<p>وكانت تلك المجموعة الدينية تعتقد أن نهاية العالم
<p> ستكون فى يوم معيّن بواسطة فيضان واسع سيدمّر الأرض، لكن عندما مرّ التاريخ المحدد تفاجأ الباحثون
<p> أن أتباع هذا المعتقد عاشوا فى حالة حادة من عدم الارتياح النفسى نتيجة التنافر المعرفى بين ما كانوا يؤمنون به
<p> ويتمنون حدوثه وما أيقنوا أنه ليس واقعا معاشا. وكان عليهم أن يلجأوا لحيلة من حيل الدفاع النفسى والذهنى
<p> حتى يمكن أن يعودوا للتوازن النفسى مرة أخرى. بعضهم «كفر» بالنبوءة وتشكك فى الديانة. وبعضهم
<p> دافع عن الديانة، لكنهم اتهموا بعضهم بعضا بأنهم أغضبوا الرب فلم يحقق النبوءة فى ما كان أشبه بحرب كلمات وألفاظ حادة،
<p>وبعضهم هجر الجماعة ولم يبد أى موقف واضح منها وكأنها حالة من الاغتراب الاختيارى.
<p>هل ما حدث للمصريين شىء من هذا القبيل؟
<p>حالة من التنافر المعرفى بين ما كانوا يؤمنون به وما وجدوه: ظنوا أن الثورة ستنتج لنا طاقة عمل واندفاع للأمام،
<p> فخرجت مع الثورة طاقة رفض واعتراض فى كل اتجاه. ظنوا أن الثورة وحّدت المصريين ضد الاستبداد،
<p>مع أن المستبد ما كان ليحكم إلا مستبدين، والاستبداد ما كان ليختفى إلا فى بيئة ترفضه وتعاقب عليه،
<p>وليس فى بيئة تدعمه وتكافئ عليه. ظنوا أن الثورة ستعنى عودة مليارات الدولارات من الخارج لمصر
<p>وأن الأموال العائدة سيتم توزيعها على آحاد الناس، ليكتشفوا أن الأموال فى الخارج ليست بالأرقام المعلنة وأن عودتها ستتطلب وقتا.
<p>كل من كان يحلم بأمر ما فى ثورتنا ولم يحصل عليه بدأ فى شتم كل من ينتمى إلى من يعارضه فى الرأى
<p> حتى لو كان ضحية أخرى لكن بطريقة مختلفة. ولم يزل بعض الأصدقاء يقولون «الدستور أولا» كان سيحل لهم مشاكلهم.
<p> ورغم أننى تساءلت من قبل: كيف يكون «الدستور أولا» إلا إذا افترضنا أنه كالدواء الجاهز الذى سنحضره
<p>من على الرف مع أنه كالدواء التركيب الذى لا بد أن نحدد من سيكتبه ويصوغه أولا قبل أن يكتبه؟
<p> لكن تعالوا نرَ ما الذى يحدث فى تونس التى اختارت بديل «الدستور أولا».
<p>من يتابع جلسات الحوار الوطنى الذى دعا له الاتحاد العام للشغل فى تونس أمس سيجد أن هناك نفس لهجة التخوين
<p>والحديث عن اختطاف الثورة وغياب رؤية واضحة لمستقبل البلاد وأن الفترة الانتقالية ستطول بلا مبرر
<p> لدرجة أن الناطق الرسمى باسم حزب المؤتمر من أجل الجمهورية (الذى يترأسه رئيس الجمهورية) الذى قاطع مؤتمر الحوار الوطنى،
<p> قال فى بيان له: «نحن نؤمن بالشرعية الدستوريّة، والشعب انتخب نوّابا وكلّفهم بكتابة دستور،
<p>وقد توصّل هؤلاء إلى كتابة دستور صغير جاء فيه أنّ شرعية المجلس تنتهى حين ينتهى من كتابة الدستور
<p>وبالتالى كل من يطعن فى شرعية التأسيسى هو لا يؤمن بالآليات الديمقراطية».
<p>وتستمر الخناقة والصراخ والصداع والشتائم والسباب والتخوين إلى أن يستقر التراب وتنشأ المؤسسات.
أنا خلصت، اشتمونى بقى.
[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذه الصورة]