بداية، قد يفاجئك أن أقول إن الإخوان كانوا متخوفين من مسودة الدستور سيئة السمعة التى أُعلن عنها قبل أسابيع.
هذه المسودة تجعل رفض الدستور شعبيا أمرا واردا، (صعب لكنه وارد). ورفض «دستور الشريعة»
شعبيا كارثة سياسية على الإخوان. سينهار المشروع وتكون سابقة شعبية فى «رفض ادّعاء القداسة».
فى نفس الوقت لا يريد الإخوان أن تخرج الجمعية التأسيسية من بين أيديهم. هذه فرصتهم الذهبية التى لن تتكرر.
لا يريدون ذلك ولو وصل الأمر إلى حد أن ينكص رئيسهم «عينى عينك» عن وعده بإعادة تشكيل «التأسيسية»،
وأن يخاطر بأن يفقد ثقة عاصرى الليمون، وهم مهمون جدا للإخوان انتخابيا، لأنهم يصلون إلى طبقة تُطرَح من منافسيهم
وتضيف إليهم، أى أن قوتهم الانتخابية وإن كانت قليلة فإنها مضاعفة.. وهنا يأتى دور السيد عبد المنعم أبو الفتوح.
لقد كتبت تعليقا على «فيسبوك» حين أعلن أبو الفتوح عن مطالبته بتعديل بنود فى مسودة الدستور
فحواه أن أبو الفتوح يستعد لدوره القادم. تجميع ما تساقط من الليمونيِّين. طبعا هذا التعليق يغضب أنصار أبى الفتوح
لأنهم يعتقدون أننى أشكِّك فى نيته، لكننى لا أشكِّك فى نيته، ولا أعتقد أنه «يقوم بتمثيلية»، إنما ببساطة أعتقد أنه يؤدِّى الدور
الذى رسمه لنفسه فى الحياة السياسية المصرية. دوبلير يؤدى المواقف التى لا يستطيع البطل تأديتها، وكلٌّ مسخَّر لما خُلق له.
لا يفوتنى أن أؤكد أيضا أننى لا أقترف الجريمة الكبرى فى الصحافة.. جريمة «حُسْن الظن».
من يُحسِن الظن بالسياسيين يجب أن يستقيل من الصحافة فورا، مش ناقصة غَبَا مغلَّف بالحكمة!
فى كل المحطات الاستراتيجية لم يكن أبو الفتوح مَن يحرز الهدف، بل كان يشغل مدافعا من مدافعى الخصم
لكى يوسع الطريق للهدَّاف، الإخوانجى. كان معهم فى التصويت بـ«نعم» على التعديلات الدستورية، ولو استقصيتِ
وسط مؤيديه ستجدينهم بأغلبية كاسحة صوَّتوا لـ«الحرية والعدالة» فى الانتخابات البرلمانية، وكان معهم فى الجولة الحاسمة
من انتخابات الرئاسة. وفى كل مرة سحب معه عاصرى الليمون.
الصديق محمد نادى عبَّر عن دور أبى الفتوح تعبيرا بليغا: «معارضة تعارض المعارضة».. ههههه. قول يا ابو نادى قول.
الدستور محطة استراتيجية أيضا، بل العمود الأساسى لتعزيز سلطة المشروع الإسلامجى. ودور أبو الفتوح
لن يختلف عن أدواره السابقة. سيجمع حوله عاصرى الليمون، ويتقدم ببعض التعديلات «الوسطية»
التى لا تمسّ جوهر المشروع الإسلامجى. ومن يعترض عليها سيكون حتمًا ولازمًا وحُكمًا يعترض على «الإسلام»،
حتى الوسطى منه، وسيقف حوله بعض السافرات والسافرين فتكتمل الصورة عن مصر المتنوِّعة «المتلوِّعة».
لقد كان رفض أبو الفتوح لمسودة الدستور فى اللحظة الأخيرة، مصحوبا -لاحظى- باقتراحاته، خطوة محسوبة التوقيت،
لاكتساب مصداقية بين جموع المعترضين على الدستور. والأيام القادمة ستثبت لك أن تحليلى يذهب فى اتجاه الصواب.
ستكون المحصلة النهائية هى دستور «درج المرشد» بالاتفاق مع العسكر، بعيدا عن «هرتلة» السلفيين.
ولكن دون أن يغضب السلفيون مباشرة من الإخوان (سلفيُّو الواجهة لعبة بقايا نظام مبارك). وكذلك دون أن يفقد الإخوان
جمهور «الشريعة»، سيحتاجون إليهم فى التصويت. حزنى على دين صار مطيَّة لأهل السلطة!
وما دمنا نتحدث عن الأدوار، دعينا ننتقل إلى السيد عمرو موسى، من منطق مختلف،
يشرح فكرتى عن اختيار المرء دورَه. لم أنتخب الفريق شفيق طبعا، رغم أن أى سياسى أفضلُ من الإخوان،
ولن أنتخبه لو خاض انتخابات أخرى، لأننى أعتقد أنه لا ينتمى إلى هذه المرحلة. نقطة وانتهت الجملة. لكن الفريق شفيق
قدم نفسه للجمهور كشخص يدافع بصلابة عن موقف معيَّن، واضح، لا التباس فيه. ولذلك حاز أكثر من ضِعف عمرو موسى
فى الجولة الأولى، واقترب من مرسى نفسه فى الجولة الثانية. لماذا؟ لأن الجمهور فى هذه المرحلة يبحث عمَّن يُشعِره أنه قوى،
وواضح. المواقف المائعة، المركَّبة، المثقَّفة، تصلح فى المعاهد وفى جلسات المثقفين لا بين السياسيين.
والسيد عمرو موسى يعلم ما يسمونه فى الانتخابات الأمريكية flip flopping
(القلب والعدل – ميوعة المواقف – عدم الحسم)، ويعلم أن هذا سلوك يشوّه صورة السياسى فى ذهن العامة،
ويضمن له الخسارة. دى يا أستاذ عمرو مجرد كلمة كده عَ الماشى بخصوص «التأسيسية»،
وحاجات تانى. فهمتنى فهمتنى، مافهمتنيش ماتاخدش ف بالك!
[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذه الصورة]