* برغبة؟
- ما أخافه مرات هو أننا نحاول أن نلبس الحقيقة صوت العقل بأثر رجعى، بمعنى أن الناس لما تتكلم وتتبادل الرأى،
هذه ليست توجيهات ولا مؤامرات ولا أوامر، بمعنى أنك فى موقف القوات المسلحة وأرجو أن تضعى ذلك
فى ذهنك، الأمريكان هم المصدر الوحيد للسلاح، والأمريكان أصبحت لهم كلمة عليا فى هذا البلد بأكثر
مما هو ضرورى، وبأكثر مما هو صحى، لكن على أى حال هذه قضية ثانية، لكن لما يكون عندك حد مهم ف
ى واشنطن، بعثة عسكرية فى واشنطن، وعندك الجنرال مولن، وعندك موقف فى مصر ملتهب والأمريكان
مهتمون لأنهم يعتبرون مصر هى البلد القاعدى فى الشرق الأوسط، هو يتكلم معك وأنت لعجزك فى تصورك
تقبلى التفكير، وأنت لا أحد يفرض عليكِ إلا إذا كنتِ عاجزة أو غير قادرة على التفكير،
أنت أمام موقف لم يستعد له أحد والمؤسسة العسكرية أقصى ما فى ذهنها هو منع التوريث.
* وتم ذلك؟
- دون ترتيب، المرة الثانية التى التقيت فيها طنطاوى كانت غريبة جداً بعد نتائج الانتخابات البرلمانية، وبدأ التيار الدينى
يأخد الأغلبية الكبيرة، وكان معى الفريق سامى عنان، وكان فى صالون وزارة الدفاع فى الدور الأول،
وحتى أنا فى الأول لقيت «الركن اياه اللى انتِ عارفاه ده والأعلام». المشير قاعد يمينى والفريق عنان شمالى
وقلت له: سيادة الفريق ما تيجى جنب المشير بدلاً ما انا كأنى باتفرج على ماتش تنس، أنقل رأسى من هنا لهنا،
وهو فعلاً مشكوراً استجاب، وطنطاوى وهو رجل طيب، قد واجه ما لم يكن يتصوره، ولم يكن يحتمله،
ولم يكن مستعداً له على أى حال فى يوم من الأيام، والظروف ظلمته، قال لى: إيه العمل يا أستاذ هيكل؟
قلت له أنا مش شايف إن فيه مشكلة كبيرة إذا كان الوضع فيه أغلبية للإخوان؟ ابعت استدعى الدكتور مرسى وكلفه
بتشكيل الحكومة باعتباره رئيس حزب الأغلبية (كان ساعتها فيه برلمان).. خبط على إيده كده
وقال لى: «أسلم البلد للإخوان.. أخش التاريخ وأنا مسلم البلد للإخوان المسلمين؟»، قلت له: سيادة المشير،
إنت ماتسلمش البلد للإخوان المسلمين، إنت بتسلم البلد لمن انتخبه الناس، ومع ذلك أنت لن تسلم البلد لهم لأنك عندك
قضيتين مهمين جداً؛ انت هتسيب رئاسة الوزارة لأن فيه مجلس نواب اختار كده، ورئيس البرلمان يؤلف الوزارة
ويواجه الأوضاع الموجودة ويقود، يبقى عندك أمران، باقى انتخابات الرئاسة وهى تحتاح إلى رويّة، ثم وضع الدستور،
وأنا باقوله: «لسة قدامك الدستور ولسة الرئاسة» وأنا فاكر يومها بيقولى -ودى لفتت نظرى جداً-
«والدستور والرئاسة أعمل إيه فى الضغط الدولى؟»، والمشير بيخبط بإيده، هو يشعر بضغوط حقيقية
ولا يملك إلا أن يسير أو يمشى «يغادر»، فهو يومها حتى ماكنش حد قادر يقول
هات رئيس الأغلبية، فى ضغوط أجنبية فاعلة طبعاً جنب الشارع.
* فى أى اتجاه؟
- مرات بننسى قبل الإخوان ما يطلعوا بشعار
«الإسلام هو الحل»، ارجعى لكتبى اللى أنا كتبتها أرجوكى وخصوصاً «the cairo documents»
اللى طلع بره، وأول كتاب كتبته مع سلسلة الأهرام للعالم الخارجى، وكان هنا الأمريكان واصلين بعد الحرب العالمية الثانية
إلى أن هذه المنطقة كلها لا حل لها إلا الدين لأن «الدين» هو التيار الرئيسى الموروث والفاعل والمؤثر على حركتها،
وينبغى أن تدخل فيه، أنا واصف فى كل ما كتبت مشهد زيارتى لأول مرة لواشنطن بعد الثورة، مع الأسف الشديد
فى سنة 1952 -وبقول مع الأسف الشديد لأن فى 52 لازم تتخضى، كان قبل ما تتولدى يمكن-
لكن أنا فى ديسمبر 1952 وأنا باغطى انتخابات الرئاسة شفت «جون فوستر دالاس» اللى بعد كده بقى وزير خارجية،
والرجل بيقول لى إيه رأيكم؟ وبعدين العسكريين فى البنتاجون قالوا لى نفس الحكاية وكانوا مهتمين بزيارتى جداً
لواشنطن فى ذلك الوقت، بعد ما قالوا لهم إنى قريب لمجلس قيادة الثورة وصديق لجمال عبدالناصر، فراح «جون فوستر»
قال لى: الموروث الوحيد عندكو اللى له تقاليد مش الديمقراطية والكلام ده كله، إنما الموروث هو الإسلام «الدين»
، وراح جاب لى الجنرال «ألفريد أولمستيد» وأنا فاكر اسمه وشكله، ونحن فى غرفته بالبنتاجون، فتح خريطة
كان عليها ستارة، «وبدأ يشرح» وقال لى: هنا حلف الأطلنطى وأوروبا، وشايف انت الأعلام والقواعد،
وشايف حلف جنوب شرق آسيا، وقال لى: عايزين نعمل عندكو حاجة تملى الفراغ الموجود أمام الشيوعية،
وأنا قلت له: فيه حركة القومية العربية والوطنية، قال لى: شوف ده كلام انت تقوله زى ما انتوا عايزين،
لكن هذه المنطقة -وحطى دى فى ذهنك وما تنسيهاش- إحنا عايزين حلف يرتكز على إسطنبول أكثر بلد إسلامى
التصاقاً بأوروبا، ومصر الأزهر الذى لا يزال المرجعية، وباكستان أكبر دولة إسلامية وأكبر جيش إسلامى،
فالحل هو حلف إسلامى -وده كان قبل حلف بغداد بكلام كتير أوى- جنب حلف جنوب شرق آسيا وجنب حلف الأطلنطى،
ففكرة حكم إسلامى يعتقده الأمريكان إنه أفضل جداً للمنطقة، أولاً لاتساقه مع طبائعها واتساقه مع مراحل التطور
لأنه يحفظ مصالحهم أو هم يتصورون أنه يحفظ مصالحهم، من غير ما أتهم حد بالتواطؤ ولا حاجة من دى،
لكن أرجوكِ لاحظى أن التيارات الوطنية والتيارات القومية وهذه الدعوات للحداثة والتقدم سوف تصطدم بالغرب،
أما إذا لهيتى المنطقة إن الكل يخش الجوامع أو اتفضل زى ما انت عايز وخش الندوات ومواقع الوعظ،
وقول اللى انت عايز تقوله، ده كله لا يُخيف أحداً، فيه ثابت موجود فى ذهن الأمريكان
إن هذه المنطقة بالتحديد الدين هو الفاعل الرئيسى فيها وبالتالى سيبها له.
* أياً كانت مشاكل الحريات والأقليات؟
- عايز أقول لك حاجة، قضية الأقليات ممكن جداً يتكلموا فيها، وهى دى القضية الوحيدة التى تعنيهم، بالضبط هما قضيتان
، قضية إسرائيل وأمن إسرائيل، ماحدش يتناقش فيه أبداً وماحدش يراجع فيه شىء أبداً، والحاجة التانية إنهم يشعروا
هما وأوربا -وأنا أعتقد أن هذه من المشاكل التى قد تصادفنى- أن هذا الموضوع وطريقة وضع الدستور والكلام ده كله،
غياب الكنيسة سيعنى بالنسبة لى أننى أفتح ثغرة بكرة الصبح، الفاتيكان يطلع لى بيان وبكرة الصبح كنائس
أمريكا تطلع لى بيان «ويبقى لهم حق»، عايز أقول إنه مافيش حد يقدر يضرنى لكن أنا أقدر أضر نفسى،
وما يستطيعه أى طرف أن يقنعنى، أنا هاديكى وثيقة ادهالى كاتبها لورد كرومر (مش بتاعنا، لأ حفيده)
وهو كان سفير لبريطانيا فى أمريكا، وهو المؤتمن فى نظام نيكسون على العلاقات بين إنجلترا وأمريكا،
لأن أمريكا تتصور أن عندها علاقة خاصة مع إنجلترا بحكم اللغة، لكن هنا كسينجر بيقول للورد كرومر:
«سياستنا هى طرد الروس من المنطقة.. لكننا لا نريد أن نفعل ذلك لأننا سوف نسىء إلى الوفاق، لكن أسلوبنا أن نقنع العرب
أنفسهم أن يطردوا الروس»، عايز أقول إن فيه قوى كثيرة جداً، كل القوى الدولية، ولو تراجعى ملفات من أول «فلورانس» و«فينيس»
المدن التجارية اللى كانت بتشتغل معانا طول العصور المملوكية، تلاقى إن كل اللى اتعمل هو استعمال أمراء ضد أمراء
وتيارات ضد تيارات، باستمرار استغلوا التناقضات الموجودة سواء بين القوى أو حتى العصور المتناقضة،
فهو مش عايز يعمل فيكِ حاجة، هو يسيبك تعملى فى نفسك كل حاجة، هو بس يوحى إليكِ واتصرفى زى ما انتِ عايزة.
* طب نرجع تانى لطنطاوى، تحدثت عن أنه ذهب لاستحالة بقائه.. يعنى إيه؟
- عايز أقول لك إن المجلس الأعلى للقوات المسلحة تصرف فيما أظن فى موقف هو لا يستطيع أن يديره وأخذ مسئولية
هو لم يكن مهيئاً لها، وتطورت الأمور بحيث أصبحت المسافة واسعة جداً، لكن المجلس العسكرى عند لحظة معينة
أدرك أنه لا يستطيع أن يستمر، بجانب أن ضعفه فيما أتصور وأخطاءه قد تكون غير مقصودة -ومعظمها فى الحقيقة
غير مقصود- أدى إلى أن بقى فى موقفه، فى القوات المسلحة، وعندما كان فيه إحساس إنه حدثت إساءة للجيش
وللمؤسسة العسكرية، بقى المجلس بشكل ما عايز يفوض حد من اللى فيه لكى يتولى المسئولية العسكرية، وواحد
باقى فى الخدمة مش ع المعاش وقاعد موجود فى الخدمة بحكم سنه، ولا يزال مسئول ومقبول فى القوات المسلحة،
لكى تترك له المسئولية وهما يمشوا، وإن فيه حد بقى حاول يزرجن وفى آخر لحظة مش عايز يطلع بسهولة مثلاً،
وده مش طنطاوى على أى حال، وإنه يلاقى مطرح فى المستقبل الجديد وحاول، لكن أنا عايز أقول لك
إنى سافرت من القاهرة إلى لندن يوم 26 يونيو وأنا أعلم أن المجلس العسكرى خارج، وهاقول لك شاهد على هذا،
يعنى أنا سافرت من القاهرة وكان لسه قبلها بشهرين وبالصدفة وأنا فى جنوب فرنسا زارنى فى الفندق اللى أنا فيه
أمير قطر الشيخ حمد، وهو صديق أنا باعتز جداً بصداقته، وبيقول لى إزاى واحد ممكن يتعامل مع 19 واحد؟
بيتكلم عن المعونات لمصر فبيقول لى وبأمانة: أنا عايز أساعد مصر فى مشروعات لكن لا أحد يطلب منى سد ميزانية،
وأنا قلت له لك حق، فبيقول لى أنا رحت شفت المجلس العسكرى، أتعامل ازاى مع 19 واحد؟ قلت له أرجوك
ده وضع مش هيستمر طويلاً، وسوف تجد عما قريب واحد بس موجود ونظام تانى موجود، قال لى فين هوّ الواحد ده؟
قلتل له سمعت عمرك عن حد اسمه اللواء عبدالفتاح السيسى؟ قال لى لأ، قلت له هتسمع، (يضحك) أى حد متتبع الجارى
كان يستطيع أن يدرك أن المجلس العسرى من داخله يعرف أنه لا يستطيع، وباقول لك لقاء الأمير حمد ده كان يوم 8 يوليو.
* عندما جاء رئيس جديد.. لماذا لم يقدم استقالته ويقول أديت دورى اتفضل يا سيادة الرئيس؟
- أقدر أفكرك بنصف بيت شعرى «ومكلف الأشياء فوق طباعها»، انتِ عايزة تطلبى من البشر أن يكونوا ملائكة،
يصعب على الناس أن يغادروا «هيلمان» الدولة المصرية، أنتِ لا تتخيلين كم هو قادر على الإفساد، أنا شفته، فى
وقت من الأوقات كنت رئيس تحرير الأهرام ورئيس مجلس إدارة الأهرام، ووزير إعلام، ووزير خارجية.
* يعنى لم تكن هناك صفقة بين طنطاوى والإخوان؟
- لا أظن، شوفى ممكن يكون بعض أعضاء المجلس العسكرى «بعض»، حاولوا بشكل ما أن يبحثوا عن دور فى المستقبل،
فى منتهى الصعوبة أن يقول شخص ما بعد كل هذا وخلاص بكرة الصبح ماشى، إلا تحت قوة قاهرة، قوة ضاغطة محددة
له توقيتات، الملك فاروق قالوا له: «قبل الساعة السادسة مساءً إذا لم تغاد فتحمل العقبات»،
غادر، مفيش أجل محدود لكى يمشى فيه، لكن القرار كان واضحاً والصورة واضحة.
* هل هناك فرصة للخروج من هذا المأزق؟
- باستمرار، ما دامت وُجدت الحياة وإيثار الحياة فهناك فرصة، وأعتقد أن هذه الفرصة ستوجد وستُفرض علينا غصباً عنا،
لا أحد ييأس من حقه، أنا أقدر أستقيل لكن لا توجد أمة تستقيل، لكن مشكلتك لما تقولى ليه فشل المجلس العسكرى،
وليه مشى مبارك بسرعة؟ أنا مستعد أقول لك إن فى هذا الموقف كله أذكى واحد كان مبارك، لأنه أدرك أنه وصل لطريق
مسدود وهو مشفق على ابنه، ولما قال للأمير سلطان أنا هورّث ابنى خرابة كان يعرف الموقف.
تعالى نأخذ حقائق: أول شىء أريدك أن تتذكريه أنك أكبر بلد فى الدنيا تتلقى مساعدات ومعونات وتدفقات أجنبية،
وكان رئيس وزراء الهند كلما قابلنى يقول لى: يا بختكم.. عايز أقول لك إن 30 سنة مبارك جالك فيهم ما يقارب تريليون دولار
مساعدات ومعونات، تعالى نشوف إنتِ عملتى إيه، أنا بقول لك الرقم ده عشان نعرف إن هناك من ساعدونا فيما مضى
وضيّعنا هذه المساعدات، والآن لا نشتكى من عدم تقديمها، تستطيعين الفصل بين الماضى والحاضر، بمعنى أن تقولى:
إنتو اديتوا للجماعة التانيين ودلوقتى ما ادتوناش، يقولوا لك احنا ادينا للبلد هىّ بقى سمحت بالتصرف فيه، تعالى أيضاً
لنقارن بين هذا الوضع وبينه قبل 35 عاماً، كنا فى مراكز النمو الدولى رقم 30 أو 31، ثم وصلنا الآن إلى المركز 138
من 144، ناس جالها أكبر تدفقات ووصلنا من الدولة رقم 30 إلى 138، طيب حطى على ده المشكلة التى يواجهها كل مسئول
-الجنزورى وطنطاوى وكلهم ناءوا بها- الدولة كل يوم بيجيلها إيراد الصبح 1100 مليون جنيه، على آخر النهار بتكون
صرفت من 1650 إلى 1750 مليون جنيه، إذن كل يوم عندنا عجز بين 400 إلى 600 مليون جنيه
، من يستطيع أن يعيش بهذه الطريقة؟
طبعاً هذا يعنى وجود قصور كبير وفساد كبير، تعالى نرى ما أدى إليه هذا الوضع من نتائج فى مجموعات القيم،
أول حاجة عشان نغطى الأمر احنا عملنا أكبر تزييف للتاريخ، انتِ صوّرتى هذا الوضع اللى كان موجود قبل 25 يناير،
أقصد البلد، والنظام حاول يضع صورة مشرقة لمستقبل ممكن أن يستمر مع الابن بعد الأب، وهذا ليس صحيحاً،
احنا عملنا تزييف فظيع، الحقائق صُورت على غير ما هى عليه إطلاقاً، وهناك أناس كثيرون لن يعيشوا فى هذه الظروف،
وانتِ مش عايزة هذا النوع من الناس، ونتيجة هذا أن بدأ التجريف للموارد والناس، فصار عندك بلد جرى «ترييفه»
من الريف، البنادر زحفت على الحواضر، أى حد يعرف القاهرة ويفتكر كيف كان منظرها قبل 40 و50 سنة،
ويبص لقلب القاهرة، يعرف ما هو الفرق بين مدينة تأخذ الريف وترفعه وهى رافعة الريف، وبين الريف يطغى على المدينة،
ويمكن ده يجرنا للكلام عن الرئيس مرسى، وأنا أعتقد أنه يمثل الديمقراطية، صحيح، ولا أستطيع أن أنكر عليه شرعية هذا التمثيل،
لكن أنا فاكر مرة وأنا باتكلم مع «نهرو» سألته: هتحلوا ازاى مشاكل الهند؟ وقتها كان عدد السكان 400 أو 500 مليون..
القادرون منهم نحو 40- 50 مليون، قلت له: وأكثر ما يقلقنى على مستقبل الهند أنه إذا عجزت النخبة عن حمل الكتلة
بعضلاتها، فإن الكتلة ستسقط على النخبة، وهو قال بالضبط: «تبطط النخبة والبلد كمان»، لما تتكلمى عن الديمقراطية
ترين أنها عادة لا تأتى بالنخب، كل النخب فى المجتمعات لا تقترب من العملية الانتخابية، فى كل مجتمعات الدنيا تقريباً،
تذكرى إن كل الحكومات المنتخبة تأتى بزعماء شعبيين، قادرين على إثارة المشاعر أكثر من تحريك العقول،
وهذا معقول، ولكن يكون واجب زعامة الكتلة أن تلجأ مباشرة للنخبة لكى تساعدها فى رفع المجتمع، نحن لم نفعل ذلك،
لأننا مش كنا فاضيين نعمل حاجة فى الـ30 سنة الماضية، احنا سبنا الكتلة تطغى على النخبة، وأنا لما افتكر أين وُلدت؟
أنا وُلدت فى سيدنا الحسين وفاكر بيت جدى اللى كنت موجود فيه وكان بيت عنده جنينة، وافتكر إنه كان هذا الحى بديع
، وجنبى بيت الرزاز والرافعى وشايف الناس بتصلى ازاى وتخرج وتدخل، هذه هى القاهرة والحسين، بروح سيدنا الحسين،
طبيعى أن أشعر بالحنين للمكان، وعندما ذهبت عدة مرات كنت أفزع، أشعر أننى غريب، والله اللى بشوفه هناك
مش باشوفه فى معابد الهند، حيث معابد سيفا «إله الشر» عندهم اللى بيبقى قدامه قرابين وكل حاجة وتديله دهب عشان
يرضى عليها، وإله الخير والخلق ماعندهمش حاجة، لكن الراغبين فى التوبة والغفران هناك كثيرون جداً لكن بتكون
فوضى شنيعة، أنت يا سيدى تمثل شرعية وأنا أعرف أن الناس انتخبوك، وأعلم أن هناك مشاكل لكنك باقٍ، وعملية
«ارحل» والكلام ده كله أنا لسه مش مقتنع بيه، إلا إذا ارتكبنا أخطاء دراماتيكية بشعة، ربنا يجنبنا إياها.
- ألا ترى أن الدستور الجديد بداية الأخطاء؟
- أعتقد أن الرئيس خائف جداً من الدستور، خشية أن تكون بداية تحول الشرخ إلى فلق، وأنا أدعو الله حقيقة.
لا ينبغى لهذا الموقف أن يستمر أو أن يتداعى بلا إدارة، وأنا أتصور إنه فى مهمة الديمقراطية أول حاجة أنا الأغلبية،
فأنا أمثل إرادة البلد الحرة والمنتخبة، وعليها أن تستدعى نُخبه وعليها أن تأتى بأفضل ما فى البلد، متجيبليش أسوأ ما فيه.
هناك أمر أقلقنى فى اللجنة التأسيسية، عندما نظرت فى الصورة، تصورت أننى أعيد قراءة تاريخ مصر فى أواخر العصر العثمانى
قبل محمد على، كأننا «كشطنا» كل موجات التقدم الذى حصل فى هذا البلد، وعدنا إلى القرن 19، وأنا مرعوب.
* هل تعتقد أن الكتلة تستطيع أن تحكم دون النخبة؟
- لا بد أن نسلم بأن الكتلة لديها التفويض، لكن أرجو أن يكون لديها العقل، فهى لا تملك تفويضاً كبيراً، وهذا أيضاً مهم،
بمعنى أن الفرق فى الانتخابات الرئاسية 1%، والملفت عندما كنت أحدثك عن «بجاتو» والمحكمة الدستورية، أن القاهرة
صوتت لـ«شفيق»، وهذا أمر غريب جداً، ولو أن أحدهم رصد التصويت فى الانتخابات، لوجده من أغرب الظواهر فى التاريخ.
* ولماذا تراه من أغرب الظواهر فى التاريخ؟
- لأن الناس صوتت بالرفض، بمعنى أن من صوتوا لمرسى لم يريدوا شفيق، ومن صوتوا لشفيق لم يريدوا مرسى.
مع الأسف الشديد لأول مرة فى التاريخ تجدين أمامك مثل هذه الظاهرة، وهذه أيضاً توضح الأزمة، سواء
كان بطلها المجلس العسكرى أو الوزارات، أو محمد مرسى، وهى «نحن نعرف ماذا نرفض لكننا لم نحدد بعد ماذا نريد،
لأننا لم نوصف مشاكلنا»، ونقول إن الديمقراطية هى الحل، والحقيقى أن المعرفة هى الحل
قبل ما حد يتكلم على حاجة، إذا لم تعرف ما أنت بصدده إذن فأنت تشطح فى الهواء الطلق.
* قبل أن أسألك عن اقتراحاتك لحل الأزمة.. كيف ترى الصدام مع القضاء؟
- الصدام مع القضاء يجرى بسرعة بسبب العجلة؛ هناك الخائفون من العودة إلى ما كانوا عليه ولا يريدون هذه العودة،
خصوصاً حجم التهديد للمعارضة، أو لعناصر فى التيار الإسلامى تشعر أن هناك من يريد إقصاءها وإعادتها إلى حيث كانت
، ومن ثم فهى عصبية جداً، لا أحد يقول لى إن هذه تصرفات إدارة سياسية، هذه تصرفات «فعل ورد فعل»، وهذا الكلام لا يستقيم.
* فيكون الحل هو إعلان دستورى يُحصن قرارات الرئيس؟
- لا تستبعدى أى شىء، فعندما يكون هناك من يتحدث عن إحساسه بالبقاء، فأنا أرجو ألا يتعمق هذا الشعور لدى أى طرف
من الأطراف، طبعاً أنا عارف أن الأزمة الاقتصادية ضاغطة، والحاجة الفظيعة جداً إن كل الناس دايرة تتكلم وبننسى
إن فيه ساعة بتدور وسوف تدق عقاربها منتصف الليل، وتصحى كل الناس، بعدها مافيش هزار، فأنتِ فى وضع اقتصادى
لا يمكن أن تستمرى عليه، عندما ترين احتياطياتك تراجعت، وأن تصنيفك الائتمانى فى العالم وصل للدرجة «E»
، أى أنك دولة عالية المخاطر، يُنصح المستثمرين بألا يقتربوا منها.
* وكيف ترى الصدام مع الإعلام.. وأنا هنا أسأل الصحفى الأستاذ محمد حسنين هيكل؟
- أعرف أن هناك تربصاً أو تحفظاً أو قلقاً من الفضائيات والصحف، وأنا أرجو من الرئيس مرسى حاجة واحدة،
إنه يبعت يجيب تقرير موجود فى إنجلترا فى هذه اللحظة، بعد تحقيقات فظيعة جداً عن أحوال الصحافة فى إنجلترا،
وهى بلد متقدم، وهو تحقيق «لورد ريفسون»، «ليفسون» لجنة على أعلى مستوى شافت تجاوزات الجرايد والفضائيات،
ووصلت هذه التجاوزات إلى أنهم أجّروا «اسكوتلاند يارد» تجيب لهم أخبار، أجّروا البوليس، وتصنتوا
على تليفونات الناس، اللجنة قررت أن تقترح على الحكومة مشروع قانون بوضع قيود على حرية التصرف،
وذهب «كاميرون» أمام مجلس العموم، وأنا مش معجب بيه جداً لكن والله أعجبت به فى هذا الموقف،
وقال: «أمامى توصية لجنة محايدة مستقلة على أعلى مستوى لمراجعة الإعلام»، وأنا عارف الإعلام الإنجليزى
فيه إيه أكثر من أى حد، أنا أعرف كل الموجودين فى الإعلام هناك وأصحاب الصحف والمشاكل والفضائيات
وما يدور فيها و(كونراد بلاك) كان صاحب التليجراف، وعنده 50 ألف حاجة، ومن يتصور أن هذه الوسائل معزولة
عن المصالح يبقى بيغلط، فهذه طبيعة الأمور ومن حقائق الحياة، فقال كاميرون: «أرى أنه صحيح أن الإعلام تجاوز،
وأرى أن «ريفسون» يعطينى المخرج القانونى لكنى أوثر أن أترك وسائل الإعلام
لأنها ليست ملكى لكى تصحح نفسها وألا أقترب منها».
وأنا أتمنى من الرئيس مرسى ألا يضيف مزيداً من المشاكل «دخلنا فى مشكلة مع الشباب ومع القضاء
وبعدين الإعلام ومع العالم الخارجى»، على فكرة عايز أقول لك إننا داخلين على مشكلة واحتكاك كبير جداً،
فهناك من يريد أن يوظف دورك كما كان أيام مبارك، وأن يحول الدور المصرى من دور إلى وظيفة وأن يستخدمك فيما يريد.
* ما الإشارات إلى ذلك؟
- على سبيل المثال، ألا تعتقدين أن الأمريكان الذين يرون أن الرأى العام تحول إلى التيار الإسلامى، وزكوه باعتباره
سيجلب الهدوء والاستقرار، وجدوا أنه لم يأت بهدوء. «هيلارى كلينتون» منذ يومين تكلمت فى معرض «سابان»،
وقالت: لا نرغب فى هذا، ولمحت من بعيد إلى أقليات. فنحن سنواجه ضغوطاً من المجتمع الدولى، أنت تنتظرين
من العالم العربى مساعدات لا تأتى، وحتى هذه اللحظة لم نتلق ما هو كافٍ، وللعلم الناس عندها عذر، أنا لما الشيخ
«حمد» يقول لى أنا مستعد أمنح الشعب المصرى مساعدات فى شكل مشروعات ولكن لن أغطى عجز الميزانية، له حق،
كما أن السعوديين راغبين فى إفشال كل الثورات لكى يذهبوا إلى شعوبهم ويقولوا: شوفتوا مفيش فايدة، أوعوا تثوروا،
(يضحك)، لكن فيه ناس كتير جداً بيبصوا للى بيحصل فى مصر ومخضوضين، فالرئيس مرسى سيواجه ضغوطاً كثيرة جداً.
وعن الحلول، أعتقد أن أول حل ينبغى التوجه إليه هو وقف حالة التوتر، لا بد أن تخفضى درجة الحمّى فى هذا البلد،
هذا البلد منقسم ولا بد أن تقوم مشاورات فوراً مع كل القوى السياسية والشباب، وأتمنى من الرئيس أن يؤجل
موعد الاستفتاء، لأن أخطر حاجة فى السياسة إن أى زعيم أو رئيس يقول إن كلامى لا يمكن العدول عنه
، أنا شفت الكلام ده على الشاشات، وهو بيقول «لن يتزحزح قيد أنملة»، الرئيس مسئول عن سلامة البلاد،
وإذا وجد أن هناك خطراً عليه أن يتراجع، أنا مش عايزُه يتراجع لأنى حريص على هيبته، لكن أول حاجة
«من فضلك أوقف هذا التوتر»، ليس سهلاً أن تذهب المظاهرات إلى الاتحادية ثم يضطر الرئيس إلى الخروج
من الباب الخلفى، وليس صحيحاً وعيب أن يُقال إن يتقال ده خلص جدوله العادى وانصرف فى موعده،
وهذا موقف لا بد أن يتوقف عنده «لما يجيله الحرس الجمهورى ويقول له سيادة الرئيس لسلامتك لازم نمشى دلوقتى»،
هذا كلام له معنى وينبغى أن يأخذه مأخذ الجد، لأن الرجل مؤتمن على مستقبل هذا البلد وعليه أن يصونه
وعليه ألا يضع كبرياءه فى هذا الموضوع، وفى كل الأحوال أنا أريد أن أحتفظ له بكبريائه كاملاً، لذلك أول
حاجة باطلبها منه إنه يخفف التوتر، بلاش الكلام بتاع النفير والرد على مظاهرة بمظاهرة. كما أطلب منه التراجع،
ولكن أن يقبل ممن يقابلونه، مستشاريه وغير مستشاريه ومن يقابلهم فى الداخل والخارج أن يفتحوا منافذ،
ومش عايزين نقول لازم تطلع ببيان تلغى الإعلان الدستورى،
أنا أريد أن أحافظ على هيبته أيضاً، وأعتقد أن شرعيته موجودة برغم كلام كسر الشرعية.
* كنت اقترحت تشكيل مجلس أمناء؟
- أتمنى أن يشكلوه، ولكن السؤال الآن هل الأجدر المجلس أم الدستور؟ فنحن فى حاجة إلى خطوات شجاعة،
وليس ضرورياً أن ما كان صالحاً فى وقت يصلح لوقت آخر، لكن لو أن الرئيس دعا عقول ونخب هذا البلد
وجلس ليستمع إليها بجد، وليس لكى تنفس عن المكبوت لديها فحسب. أريد أن أقول إن هناك خطراً كبيراً جداً،
إنك ستستيقظين ذات يوم فلا تجدين نخباً، لسبب واحد؛ أن «الترييف» ماشى بسرعة، والحاجة التانية
إن النخب لديها كفاءات معينة، والكفاءة فى هذا العصر عالمية، وأرجوك ألا يتصور أحد أن الموجودين فى مصر محبوسون
، أنا أعتقد أن مصر فى العامين الأخيرين فقدت الناس الأكفاء الذين رحلوا. كنت أتحدث ذات مرة فى مؤتمر للطلبة العرب
فى شيكاغو، وراعنى أنه موجود فى أمريكا 215 ألف رجل حاملين دكتوراه وماجستير،
والدكتور مرسى عارف كده عشان عاش بره.
* ما رأيك فى مطالبة جبهة الإنقاذ بإلغاء الإعلان الدستورى؟
- أنا مش عايز حد يطالب، أنا عايز الرئيس يصغى للطلبات ثم يقرر ما يستجيب له أو لا يستجيب له، أو يقترح بديلاً له،
كل اللى عايزه ألا تضع هذا البلد أمام طريق مسدود، بحيث لا يجد البلد مفراً من التراجع
إلى القرن الـ19، أو ينفلت إلى الفوضى ونروح فى مشكلة.
* فى تصورك.. ما الرسالة التى وصلت للرئيس من الشباب أو الجماهير المصرية أمام الاتحادية؟
- أرجو أن تكون الرسالة واضحة وأن يكون قرأها بعناية، وأرجو أن يجلس مع نفسه ساعة واحدة فقط بدون مستشاريه،
وعايز أقول: أنا فاكر -متأسف أحكى حاجات بالطريقة دى- إنى دخلت بيت «إدوارد هيث»، رئيس وزراء إنجلترا،
وهو رجل فنان وبديع، وكان يسكن فى عمارات «بيكاديلى»، وكان بيته كله أبيض ولقيت بيانو أبيض فى وسط البيت
سألته عنه -وأنا عارف إنه بيحب البيانو- قال لى «لما بالاقى نفسى فى وسط أزمة بالجأ له ومش عايز حد أبداً
من المستشارين»، فى وقت الأزمات كان بيقول «باحتاج لنفسى مساحة»، أنا أقترح على الرئيس مرسى أن يعطى لنفسه
مساحة بينه وبين نفسه، والرجل اللى أنا شفته يوم أن تفضّل وزارنى مرة ألاقيه قاعد كما رأيته وحده بيفكر
، لأنه رجل لم يكن يتصور ما وصل إليه، ويعرف أن المعجزة التى جرت له لها جانب آخر هو المسئولية.
* هل تريد أن توجه رسالة أخيرة للرئيس وللناس؟
- الشيطان وحده يعظ.. مفيش حد من حقه يوعظ حد، أقول لك افتحى الكتاب الأحمر بتاع «ماو تسى تونج»،
وأنا أعتبره من أعظم شخصيات وزعماء العالم فى الفترة الأخيرة، يقول «أمسكوا بنادقكم والزموا خنادقكم..
ثم أطلوا فيما حولكم وتصرفوا»، مفيش حد فينا حقه يوعظ حد، لكن من فضلكم انتبهوا، نحن أمام عالم كل شىء
يجرى فيه فى نفس اللحظة، ساعة ما بتتحركى العالم كله معاكى، على «الآى باد»
والإنترنت وفى أى حتة.. «العالم كله يطاردك حتى لو هربت منه.. فأرجوكِ تبقى مع العالم بس».
[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذه الصورة]