لدينا أساس قوى يسمح بتوجيه اتهامات رسمية إلى الدكتور محمد مرسى بأنه لم يَحْمِ المتظاهرين سلمياً
خاصة وأن المعتدين ينتمون إلى أهله وعشيرته وجريمتهم مسجلة بالصوت والصورة،
وهى تهمة أفدح مما أُدين فيها مبارك، إضافة إلى إتهامه بانتهاك الدستور الذى أقسم على احترامه،
عندما أصدر ما سمَّاه «إعلاناً دستورياً» فى عدوان صارخ على الإعلان الدستورى الذى تسير عليه البلاد،
وبالذات المواد التى استُفْتِى عليها الشعب فى 19 مارس 2011، والخاصة بأجل الجمعية التأسيسية
لوضع الدستور، عندما مدّ فترة عملها إلى 8 أشهر بدلاً من 6 أشهر فقط نصّ عليها الإعلان الدستورى.
ولا يُقلل من فداحة الانتهاك أن الجمعية انتهت من عملها بالفعل دون الاعتماد على ما سُمِّى تعديلاً.
ولا يزيل هذا الانتهاك أن يصرح الدكتور مرسى لبعض معاونيه أنه أخطأ وأنه قرّر أن يصوم ثلاثة أيام كفَّارة
عن عدم الالتزام باليمين، لأن الصوم قد يزيل الإثم من سجله يوم القيامة،
ولكنه لا يُسقط الحق الدنيوى للشعب فى محاسبة الرئيس.
كما أنه ليس هناك أساس من الصحة لما يُقال إنه يجب أن يُنهى الرئيس الشرعى فترته الرئاسية
حتى نهايتها بغض النظر عما يفعل، وإنه ليس هناك قاعدة تجبر الرئيس على ترك منصبه قبل انتهاء ولايته،
وإن أى مناداة بغير ذلك هى خروج عن الشرعية، لأن القول بهذا يُلغى مبدأ جواز مساءلة الرئيس الشرعى
إذا أخطأ، ومحاسبته وفق القانون، وقد يكون الجزاء عزله من المنصب، بل يحدث فى بعض الديمقراطيات
فى بعض الحالات أن يُزج بالرئيس فى السجن فى بعض أفعاله! لأن الانتخاب الشرعى للرئيس
ليس توقيعاً من الشعب على بياض يتوهم الرئيس بمقتضاه أنه يجوز له أن يفعل ما يشاء
دون ضوابط ودون مساءلة ودون عقاب.
أضف إلى ذلك أن السياسة المنسوب إلى الرئيس أنه وضعها قد قسمت الشعب إلى فصائل،
ثم أنه فضَّل أن يُعلن هذه السياسة بطريقة تزيد من شحن الفصائل ضد بعضها البعض بما ترتب عليه الكراهية والبغضاء،
وكان حرياً بالرئيس أن يسهر على رأب الصدع ولم الشمل وتقريب أصحاب الرؤى المختلفة، أو على الأقل
أن يعمل على أن يكون التعبير عن الخلاف بين المختلفين ملتزماً بالسبل السلمية، إلا أن الرئيس بات لا يخفى قولاً وفعلاً
انحيازه لفصيله وحلفائه، ولم يثبت أنه حريص على إعمال القانون ضد خروجهم على القانون
الذى وصل أيضاً إلى حد الاعتداء المادى على المحاكم والهيئة القضائية بما لم تعرفه مصر عبر تاريخها.
وكل هذا يثبت أن الدكتور مرسى صار يجامل أهله وعشيرته ويتهاون إلى حد التقاعس أمام استخدامهم العنف
الذى يوِّلد عنفاً مضاداً، وكأنه يرعى انشقاق الوطن إلى تكتلات متناحرة،
بما صار يهدد أمن البلاد الداخلى، وهذا أيضاً ضد اليمين التى أقسم على احترامها.
وللأسف، فإن المتابعة الدقيقة لممارسة الإخوان تثبت أن سياستهم المدمرة سوف تستمر حتى لو هدأت الأزمات المُرَكَّبة
التى خرجوا بها علينا مؤخراً باستعجال تمرير مشروع دستور مُشوَّه، وقبله فرض ما سُمِّى بإعلان دستورى،
ثم وضعوا الشعب كله فى وضع الرهينة التى عليها أن تقبل بين كارثتين محققتين: إما قبول مشروع الدستور،
الذى يُجْهِز على مطالب الثورة، للخلاص من الإعلان الدستورى،
وإما رفضه للوقوع فى براثن إعلان يعود بنا للعصور الوسطي!
وهذا أدعى إلى أن يلجأ المعارضون إلى طريق عملى يحمى البلاد ويوفر وقت وطاقة حوار لا يعد بأى إصلاح حقيقى
وإنما تعود فائدته الوحيدة على الإخوان الذين يتملصون من مأزقهم ليلتقطوا أنفاسهم ويفاجئوننا مفاجآت أخرى.
ينبغى ألا يحيد سعى المعارضة عن السبل والإجراءات القانونية السلمية التى تصون الأمن والمنشآت
والملكية العامة والخاصة، ومع كامل الالتزام بآداب الخطاب، وبقواعد الإعلام النظيف، من أجل تصويب
قرار اختيار مرسى رئيساً الذى وقع ملايين فى وهم أنه الأقرب إلى تحقيق مطالب الثورة.
الأجدى الآن السعى لإخضاع الدكتور مرسى للمحاكمة على ما هو منسوب إليه، وما قد يضاف،
فهل هناك من يعترض على إعمال القانون وعلى أن يأخذ كل ذى حق حقه؟ وهل يضع الرئيس نفسه
أو يضعه مؤيدوه فى مرتبة أعلى من الرموز الوطنية التى يوجهون لها الآن تهماً مسيئة؟ فإذا أدانته المحكمة
فلا يزال فى طرة متسع، وأما إذا أقنع القضاء بقيامه بمسؤولية حماية شعبه، وبصحة التزامه باليمين التى أقسمها،
فعلى المعارضة أن تُذعن وتمتثل، وأن تلجأ لسبل أخرى تلتزم فيها أيضاً بالدستور والقانون وبمراعاة التقاليد والأعراف
لتحمى البلاد من سياسات فاشلة لا تنجح إلا فى شق صفوف الشعب وترويعه فى حاضره ومستقبله.